نشر بتاريخ : 2019-08-23
حكم الطلاق المعلق في الفقه والقانون
نصت المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية على أنه "لا يقع الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شئ او تركة لا غير"
وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون المذكور أنه: «ينقسم الطلاق إلى منجز وهو ما قصد به إيقاع الطلاق فوراً وإلى مضاف كأنت طالق غدا وإلى يمين نحو على الطلاق لا أفعل كذا وإلى معلق كإن فعلت كذا فأنت طالق.
والمعلق إن كان غرض المتكلم به التخويف أو الحمل على فعل شيء أو ترکه وهو يكره حصول الطلاق ولا وطر له فيه كان في معنى اليمين بالطلاق. وإن كان يقصد به حصول الطلاق عند حصول الشرط لأنه لا يريد المقام مع زوجته عند حصوله لم يكن في معنى اليمين، واليمين في الطلاق وما في معناه لاغ أما باقي الأقسام فيقع فيها الطلاق.
وقد أخذ في إلغاء اليمين في الطلاق برأي متقدمي الحنفية وبعض متأخريهم وهذا موافق لرأي الإمام على وشريح وداود وأصحابه وطائفة من الشافعية والمالكية. وأخذ في إلغاء المعلق الذي في معنى اليمين برأي الإمام على وشريح وعطاء والحكم بن عتيبة وداود وأصحابه وابن حزم وقد وضعت المادة «۲» من مشروع القانون متضمنة أحكام هذه الأقسام».
وبذلك يكون المرسوم بقانون المذكور قد عدل عن مذهب الحنفية الذي كان معمولاً به من قبل والذي يتفق مع رأى الجمهور الذي أوضحناه سلفا، وقد حدا الشارع إلى ذلك - على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون - أن الدين الإسلامي مع إباحته الطلاق قد ضيق دائرته وجعل هذه الإباحة مقصورة على الحالات التي لا يمكن فيها للزوجين أو أحدهما إقامة حدود الله ولو أن الناس الزموا حدود الله وابتغوا شريعته لما وقعت شكوى من قواعد الطلاق ولبقيت العائلة الإسلامية متينة العرى يرفرف عليها البناء ولكن ضعف الأخلاق وتراخي عرى المروءات أوجد في العائلة الإسلامية وهناً وجعل هناءها يزول بنزقة من طيش ويمين يحلفها الأحمق في ساعة غضبه أو للتخلص من موقفه …. والمرأة المسلمة مهددة على الدوام بالطلاق لا تدري متى …. وقد لا يدرى الرجل نفسه متى يحصل فإن الحالف بالطلاق والمعلق على شيء من الأشياء التي يفعلها أجنبي لا يدري متى تطلق امرأته فسعادة الزوحين والأولاد والأسرة قد ترتبط بعمل من الأعمال الخارجة عن إرادة رب الأسرة وعن إرادة سيد الأسرة.
وقد تواترت أحكام محكمة النقض المصرية أن مفاد نص المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية أن المشرع – أخذا برأي بعض المتقدمين من الحنفية - أرتأى أن تعليق الطلاق إن أريد به التخويف أو الحمل على فعل شيء أو تركه، وقائله يكره حصول الطلاق ولا وطر له فيه كان في معنى اليمين ولا يقع به الطلاق. نقض جلسة 1976/4/28 الطعن رقم 30 لسنة 44 ق .
الطلاق المنجز
والطلاق المنجز هو ما قصد تحقيق معناه وترتيب أثاره عليه من وقت صدوره عن الزوج سواء كانت صيغة صدوره هي القول كقول الراجل لامرأته أنت طالق أو كانت هي الكتابة حيث يقع الطلاق لفظا أو بالكتابة المرسومة المستبينة الصادر عن الزوج أو المرسلة على المرأة في كتاب منه إليها).
الطلاق غير المنجز (الطلاق المعلق على شرط أو المضاف إلى زمن)
أما الطلاق غير المنجز فهو ما لا يقصد به إيقاع الطلاق في الحال ومنه ما كان مضافاً إلى زمن أو معلقاً على شرط والطلاق المضاف إلى زمن هو ما اقترن بظرف زمان جعل مبدأ لوقوع الطلاق وترتیب آثاره ويغلب أن يكون زمناً مستقبلاً كقول الرجل لامرأته أنت طالق غدا وأما الطلاق المعلق على شرط فهو ما جعل الزوج فيه حصول الطلاق معلقاً على حصول شيء آخر مثل قول الزوج لزوجته إن خرجت بغير إذني فأنت طالق، وهو ما تناولته المادة الثانية من القانون .
شروط صحة تعليق الطلاق
ويشترط لصحة تعليق ووقوع الطلاق به شرطان:
أولهما: أن يكون التعليق على أمر معدوم حين التعليق ويمكن أن يوجد بعده فإن كان على أمر موجود فعلا حين صدور الصيغة كان تنجيز الطلاق حقيقة وتعليقا على أمر مستحيل تحقيقه كان لغواً لا يقع الطلاق.
وثانيهما: أن تكون المرأة حين صدور الصيغة وحصول الأمر المعلق عليه محلاً للطلاق بأن تكون في عصمة الزوج أو عدة طلاق سابق رجعي.
اشترط المشرع لوقوع الطلاق المعلق أن يكون الزوج قد قصد بالفعل وقوعه إذا تحقق المعلق عليه معاملة للمطلق بقصده، أما إذا لم يكن الزوج لا يقصد من تعليق الطلاق سوى التخويف وحمل الزوجة على فعل شيء فقط وهو في الحقيقة يكره وقوع الطلاق ولا وطر له فيه فلا يقع به طلاق ولو تحقق المعلق عليه وسواء كان المعلق عليه من أفعال الزوج أو الزوجة أو الغير إذ يعتبر الطلاق في هذه الحالة في معنى اليمين بالطلاق فلا يقع به شيء لأن اليمين بالطلاق لا يقع به شيء.
إثبات قصد الزوج
وإثبات قصد الزوج أمر يتعلق به ولا يعرف إلا من جهته فإذا لم تكن هناك قرائن على حقيقة قصده وتدل عليه وشجر الخلاف بين الزوجين، هي تدعي وقوع الطلاق لتحقق الشرط وهو يقول أنه ما قصد سوى التخويف أو الحمل على الفعل أو المنع كان القول له بيمينه فإن حلف کسب الدعوى وإن نكل اعتبر مقراً بالطلاق، وأما الطلاق المضاف إلى زمن فالراجح في المذهب الحنفي أنه يقع به الطلاق حال دخول الزمان الذي حدده الزوج .
اليمين بالطلاق
أما اليمين بالطلاق أو القسم به أو الحلف بالطلاق فقد أبانت المذكرة الإيضاحية للنص أنه لاغ ولا يقع به طلاق استثناء لرأي متقدمي الحنفية ومتأخريهم. (موسوعة المشكلات العملية في قوانين الأحوال الشخصية ، المستشار/ أشرف مصطفى كمال ، الطبعة الخامسة عشر 2017 / 2018 ، الجزء : الأول ، الصفحة :187).
صيغة الطلاق
الطلاق المنجز - الطلاق المضاف إلى زمن مستقبل - الطلاق المعلق على شرط
- تأصيل فقهي:
القاعدة الفقهية المقررة أن التصرفات التي من قبيل الإسقاطات لا التمليكات، كالإبراء من الدين، يجوز أن تكون منجزة أو مضافة إلى زمن مستقبل، أو معلقة على شرط. ولما كان الطلاق إسقاطاً لا تمليكا إذ هو عبارة عن إزالة ملك النكاح ورفع تقييد حرية المرأة بما يدل على ذلك، فإنه يجوز أن يكون منجزاً أو مضافاً إلى زمن مستقبل، أو معلقاً على شرط.
الطلاق المنجز:
الطلاق المنجز هو ما قصد به إيقاع الطلاق فورا، بأن كانت صيغة الطلاق غير مضافة إلى زمن مستقبل ولا معلقة على شرط، كقول الرجل لامرأته: (أنت طالق، أو مطلقة، أو طلقتك)، أو كتب إليها بما ذكر كتابة مستبينة مرسومة.
وحكم الطلاق المنجز، هو وقوع الطلاق في الحال وترتيب آثاره عليه بمجرد التلفظ بما يدل على الطلاق أو قراءة الكتابة المستبينة المرسومة، متى كان صادرا ممن يملكه، وصادف محلا لوقوعه بأن كانت المرأة زوجة حقيقية أو حكما لمن صدر منه طلاقها، لأن هذا ما قصده المطلق وتدل عليه صيغة الطلاق التي صدرت منه.
وإذا جاء التلفظ بالطلاق مؤقتا بوقت معين فإن الصيغة تكون منجزة يقع بها الطلاق فورا وبدون تحديد أجل معين لأن الطلاق مما لا يحتمل التوقيت.
الطلاق المضاف إلى زمن مستقبل :
الطلاق المضاف إلى زمن مستقبل، هو ما كانت صيغته مضافة إلى زمن مستقبل بغير أداة من أدوات الشرط أو ما في معناها، وقصد به وقوع الطلاق عند حلول الزمن الذي أضيف إليه الطلاق. كقول الرجل لامرأته: «أنت طالق غدا، أو أنت طالق حين يقدم فلان من سفره». .
أما إذا أضاف الزوج الطلاق إلى زمن ماض، كما لو قال الرجل: «أنت طالق أمس أو أنت طالق منذ شهر» فإنه يعتبر عند الحنفية طلاقا منجزا، ويقع الطلاق بشرط أن تكون الزوجة محلا للطلاق وقت إنشائه، والزوج أهلا لإيقاعه وقت الإنشاء الذي أسند إليه الطلاق، أما إذا لم تكن زوجة له قبل الزمن الماضي، الذي أسند إليه الطلاق فلا يعتبر، لأنه لا يمكنه إنشاء الطلاق في من الماضي، والإنشاء في الماضي إنشاء في الحال.
ويشترط لوقوعه أن يكون الزوج أهلا للطلاق وقت صدور ما يدل عليه - منه، أي عند إنشائه، وأن تكون الزوجة محلا لوقوع الطلاق عليها، عند حلول - ذلك الوقت، إنما لا يشترط أن يكون الزوج أهلا للطلاق حينئذ. فإذا أضاف الرجل الطلاق إلى وقت معين، ثم جن في هذا الوقت فإن طلاقه يقع، وإذا قال لا الرجل لزوجته غير المدخول بها: أنت طالق غدا، ثم طلقها منجزا فجاء الغد، و فإن الطلاق لا يقع لأنها غير محل وقت ذلك لوقوع الطلاق عليها لأنها صارت - أجنبية عن زوجها بمجرد وقوع الطلاق المنجز.
الطلاق المعلق على شرط :
الطلاق المعلق على شرط هو الطلاق الذي رتب وقوعه على حصول أمر في المستقبل بأداة من أدوات الشرط وما في معناها، ومثل أدوات الشرط (إن ، إذا، كل، كلما، متی).
ويستوي أن يكون هذا الأمر فعلاً من أفعال الزوج أو الزوجة أو غيرهما أو أمرا من الأمور التي لا دخل فيها لأحد من الناس.
والتعليق عند الحنفية يمين، ويترتب على ذلك أنه لا يمكن الرجوع عنه كسائر الإيمان، لأن الأيمان بكل أنواعها لا يجوز الرجوع فيها، فمن حلف يميناً لا يجوز أن يعدل عنه، بل يمضي فيه أو يحنث وإن حنث كانت المؤاخذة التي رتبت على الفعل، أو رتبها الشارع على الحنث.
ويشترط لصحة التعليق ما يأتي:
1- أن يكون الأمر المعلق عليه معدوماً ممكن الحصول، فإن كان معدوماً مستحيل الوجود کان لغواً كما إذا قال الرجل لامرأته: «إذا شربت ماء هذا البحر کله فأنت طالق، أو إذا دخل الجمل في سم الخياط فأنت طالق».
ولا يتحقق معنى التعليق، إذا كان التعليق على مشيئة الله، لأن مشيئة الله تعالى مغيبة عنا، كأن يقول الرجل: «أنت طالق إن شاء الله».
أما إذا كان الأمر المعلق عليه الطلاق متحققا في الحال، أي عند النطق بالطلاق المعلق، فهو تعليق في اللفظ لا في المعنى، أي تعليق صوری لا حقيقي، فيقع الطلاق منجزاً كما إذا قال لها: «إن ولدت بنتا فأنت طالق»، وكانت قد ولدت بنتا.
۲- أن تكون عبارة التعليق متصلة الأجزاء من غير فصل بين شرطها وجزائها إلا لضرورة كسعال أو تنفس أو عطاس أو إمساك فم أو تقل لسان. فلو قال الرجل لامرأته: «أنت طالق» ثم قال بعد فترة ولو وجيزة من غير ضرورة (إن دخلت دار فلان» لم يكن تعليقا صحيحا، أما إذا كان الفصل لضرورة فلا يمنع الاتصال ويكون تعليقا صحيحا.
٣- أن يكون الجزاء مرتبطا بالشرط برابط كالفاء متى كان متأخرا عن الشرط.
لما إذا كان الجزاء متقدما معناه على الشرط فلا يحتاج إلى ذلك الرابط كما هو معلوم من قوانين اللغة. فإذا قال الرجل لامرأته: «إن دخلت الدار أنت طالق» من غير ربط كانت عبارة الطلاق تنجيزا وبطل الشرط إلا إذا قال أردت الربط والتعليق أو كانت القرائن تدل على أنه لا يعرف قانون اللغة وأنه يريد بالعبارة ربط الجزاء بالشرط.
4- أن يكون الزوج أهلا لإيقاع الطلاق وقت النطق بالصيغة، ولا يشترط أن يكون أهلا له وقت وقوع الأمر الذي علق عليه الطلاق، فإذا علق الطلاق ثم جن ثم وقع الأمر المعلق عليه فإن طلاقه يقع، لأن الصيغة إذا صدرت من أهلها مستوفية شروطها كان لها أثرها، ولو زالت الأهلية بعد ذلك.
5- أن يكون التعليق ووقوع الأمر المعلق عليه في حل واحد، فلو علق الرجل طلاق امرأته ثم طلقها طلاقا مكملا للثلاث ثم انتهت عدتها وتزوجها آخر ودخل بها ثم طلقها أو مات عنها، ثم تزوجها الأول بعد انتهاء عدتها ووقع الأمر المعلق عليه، لا يقع الطلاق.
إنما لا يشترط بقاء الزواج الذي حصل فيه التعليق، فلو علق الرجل طلاق امرأته، ثم طلقها وانتهت عدتها، ثم تزوجها بعد ذلك ووقع الأمر المعلق عليه فإن الطلاق يقع.
6- أن تكون المرأة عند وجود صيغة الطلاق المعلق والأمر المعلق عليه
الطلاق محلا للطلاق، بأن تكون زوجة حقيقة أو حكما، فإذا كانت المرأة أجنبية عند وقوع الأمر المعلق عليه، لا يقع شيء، فلو قال لها: أنت طالق إن سافرت، ثم طلقها وانتهت عدتها، وسافرت فإنه لا يقع طلاق ثان.
أما إذا كان التعليق على الزواج نفسه، كما لو قال الرجل لمرأة أجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق، فيرى الأحناف والمالكية في الجملة أن التعليق صحيح، ولا يشترط أن تكون المرأة وقت الصيغة محلا لإيقاع الطلاق عليها. وذلك لأن التعليق عند الحنفية - كما سنرى - يمين، فيجوز على كل شيء، وإذا كانت المرأة ليست أهلا للطلاق وقت اليمين فلا عبرة بذلك لأن اليمين تصرف من الحالف. وشتراط أهليتها للطلاق يتحقق عند وقوعه، وهو الأمر المحلوف عليه.
واشترط المالكية ألا يترتب على الطلاق المعلق على الزواج منع الرجل من لرو ج كأن يقول: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فإذا كان كذلك كان باطلا مناقضته لمقاصد الشريعة. (موسوعة الفقه والقضاء في الأحوال الشخصية، للمستشار/ محمد عزمي البكري، دار محمود للنشر، المجلد الرابع، الصفحة 62 ).
وقد أوردت الموسوعة الفقهية الصادرة عن وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت في الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع والعشرون ، الصفحة / 5 ما يلي:
الشُّرُوطُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِصِيغَةِ الطَّلاَقِ:
- صِيغَةُ الطَّلاَقِ هِيَ اللَّفْظُ الْمُعَبَّرُ بِهِ عَنْهُ، إِلاَّ أَنَّهُ يُسْتَعَاضُ عَنِ اللَّفْظِ فِي أَحْوَالٍ بِالْكِتَابَةِ أَوِ الإِْشَارَةِ. وَلِكُلٍّ مِنَ اللَّفْظِ وَالْكِتَابَةِ وَالإِْشَارَةِ شُرُوطٌ لاَ بُدَّ مِنْ تَوَافُرِهَا فِيهِ، وَإِلاَّ لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ:
أ - شُرُوطُ اللَّفْظِ:
يُشْتَرَطُ فِي اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الطَّلاَقِ شُرُوطٌ هِيَ:
الشَّرْطُ الأْوَّلُ: الْقَطْعُ أَوِ الظَّنُّ بِحُصُولِ اللَّفْظِ وَفَهْمِ مَعْنَاهُ:
- الْمُرَادُ هُنَا: حُصُولُ اللَّفْظِ وَفَهْمُ مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ نِيَّةُ وُقُوعِ الطَّلاَقِ بِهِ، وَقَدْ تَكُونُ نِيَّةُ الْوُقُوعِ شَرْطًا فِي أَحْوَالٍ كَمَا سَيَأْتِي.
وَعَلَى هَذَا إِذَا حَلَفَ الْمُطَلِّقُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ شَكَّ أَكَانَ حَلِفُهُ بِطَلاَقٍ أَمْ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَغْوٌ وَلاَ يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا شَكَّ أَطَلَّقَ أَمْ لاَ؟ فَإِنَّهُ لاَ يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ طَلَّقَ ثُمَّ شَكَّ فِي الْعَدَدِ، أَطَلَّقَ وَاحِدَةً، أَمْ ثِنْتَيْنِ، أَمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؟ بَنَى عَلَى الأَْقَلِّ لِحُصُولِ الْيَقِينِ أَوِ الظَّنِّ بِهِ وَالشَّكِّ فِيمَا فَوْقَهُ، وَالشَّكُّ لاَ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِخِلاَفِ الظَّنِّ وَالْيَقِينِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يَتَحَرَّى، فَإِنِ اسْتَوَيَا عِنْدَهُ حُمِلَ بِأَشَدِّ ذَلِكَ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا فِي قَضَايَا الْفُرُوجِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ تَعْلِيقًا عَلَى ذَلِكَ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ الأْوَّلِ عَلَى الْقَضَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى الدِّيَانَةِ.
فَإِذَا نَوَى التَّلَفُّظَ بِالطَّلاَقِ ثُمَّ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ، لَمْ يَقَعْ بِالاِتِّفَاقِ، لاِنْعِدَامِ اللَّفْظِ أَصْلاً، وَخَالَفَ الزُّهْرِيُّ، وَقَالَ بِوُقُوعِ طَلاَقِ النَّاوِي لَهُ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ. وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ». وَلَوْ لُقِّنَ أَعْجَمِيٌّ لَفْظَ الطَّلاَقِ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ مَعْنَاهُ، فَقَالَهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ عَرَبِيٌّ إِذَا لُقِّنَ لَفْظًا أَعْجَمِيًّا يُفِيدُ الطَّلاَقَ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ مُطْلَقًا.
الشَّرْطُ الثَّانِي: نِيَّةُ وُقُوعِ الطَّلاَقِ بِاللَّفْظِ:
- هَذَا خَاصٌّ بِالْكِنَايَاتِ مِنَ الأَْلْفَاظِ، أَمَّا الصَّرِيحُ فَلاَ يُشْتَرَطُ لِوُقُوعِ الطَّلاَقِ بِهِ نِيَّةُ الطَّلاَقِ أَصْلاً، وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ بَعْضَ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ حَيْثُ أَوْقَعُوا الطَّلاَقَ بِهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَالصَّرِيحِ، وَهِيَ الْكِنَايَاتُ الظَّاهِرَةُ، كَقَوْلِ الْمُطَلِّقِ لِزَوْجَتِهِ: سَرَّحْتُكِ، فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ: طَلَّقْتُكِ، وَوَافَقَهُمُ الْحَنَابِلَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، خِلاَفًا لِمَا فُهِمَ مِنْ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ، وَذُكِرَ فِي نَيْلِ الْمَآرِبِ أَنَّ لَفْظَ: سَرَاحٍ مِنَ الْكِنَايَاتِ فَيَحْتَاجُ لِلنِّيَّةِ. وَهَلْ تَقُومُ قَرَائِنُ الأَْحْوَالِ وَالْعُرْفِ مَقَامَ النِّيَّةِ فِي الْكِنَايَاتِ؟.
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى ذَلِكَ، وَخَالَفَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَقَالُوا: لاَ عِبْرَةَ. بِالْعُرْفِ وَقَرَائِنِ الْحَالِ، وَعَلَى ذَلِكَ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ طَلاَقَهَا طَلُقَتْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِلنِّيَّةِ، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَكُونُ ظِهَارًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الطَّلاَقَ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَتَطْلُقُ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَطْلُقُ ثَلاَثًا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَيُنَوَّى (أَيْ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ) فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَهَلْ يَقَعُ الطَّلاَقُ بِلَفْظٍ لاَ يَحْتَمِلُهُ أَصْلاً كَقَوْلِهِ لَهَا: اسْقِنِي مَاءً؟ إِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلاَقَ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ بِالإِْجْمَاعِ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلاَقَ وَقَعَ الطَّلاَقُ بِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلاَ يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ لِلْمَالِكِيَّةِ.
مركز الراية للدراسات القانونية