نشر بتاريخ : 2019-12-08
الحضانة عموماً هي حفظ من لا يستقل بأمره والنهوض بتربيته ووقايته عما يهلكه أو يضره ، وقد ورد في السنة النبوية المطهرة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كانت بطني له وعاء وثدي له سقاء وحجري له حواء ، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم تنكحي.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: ريحها وفراشها وحرها خير له منك حتى يشب ويختار لنفسه.
وقد روي أن عمر خاصم أم عاصم بين يدي أبي بكر رضي الله عنه لينزع العاصم منها فقال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر ، قال: والصحابة حاضرون ولم ينكر أحد منهم ذلك فكان اجماعاً على أن الأم أحق بالحضانة للولد في حياته الأولي من الأب ما لم تتزوج بزوج آخر غير أبيه.
وعليه فقد عُني الشرع الإسلامي الحنيف، وتبعته كافة الأنظمة القانونية الحديثة بتنظيم حضانة الصغير وبيان أحكامها، حرصاً على الصغير ذاته كما سنرى ومنعاً من الشقاق والنزاع بين أبويه عليه.
وفي هذه الدراسة نورد أحكام القانون المصري بشأن الحضانة ومذكراته الإيضاحية، كما نورد بعضاً من التطبيقات القضائية لهذه النصوص، وشرح الفقهاء والخبراء لها، ثم نختم ببيان أحكام الحضانة في الفقه الإسلامي المقارن، وقد أفردنا لكل من ذلك مبحثاً مستقلاً وخاتمة مهمة، على النحو التالي:
المبحث الأول:
نص القانون ومذكراته الإيضاحية
أولاً: نص القانون:
تنص المادة 20 من القانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية، بعد تعديلها بموجب القانون رقم 100 لسنة 1985 وبموجب القانون رقم 4 لسنة 2005، على أنه:
ينتهي حق حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسة عشرة ويخير القاضي الصغير أو الصغيرة بعد بلوغ هذه السن في البقاء في يد الحضانة دون أجر حضانة وذلك حتي يبلغ الصغير سن الرشد وحتي تتزوج الصغيرة .
ولكل من الأبوين الحق فى رؤية الصغير أو الصغيرة وللأجداد مثل ذلك عند عدم وجود الأبوين.
وإذا تعذر تنظيم الرؤية اتفاقاً نظمها القاضى على أن تتم فى مكان لا يضر بالصغير او الصغيرة نفسياً.
ولا ينفذ حكم الرؤية قهراً ولكن إذا امتنع عن بيده الصغير عن تنفيذ الحكم بغير عذر أنذره القاضى فإن تكرر منه ذلك جاز للقاضى بحكم واجب النفاذ نقل الحضانة مؤقتاً إلى من يليه من أصحاب الحق فيها لمدة يقدرها.
ويثبت الحق فى الحضانة للأم ثم للمحارم من النساء مقدما فيه من يدلى الام على من يدلى بالاب ومعتبراً فيه الإقتراب من الجهتين على الترتيب التالي :
الام, فأم الام وان علت. فأم الأب وإن علت فالأخوات الشقيقات ، فالأخوات لأب ، فبنت الأخت الشقيقة ، فبنت الأخت لأم ، فالخالات بالترتيب المتقدم في الأخوات ، فبنت الأخت لأب ، فبنت الاخ بالترتيب المذكور، فالعمات بالترتيب المذكور ، فخالات الام بالترتيب المذكور ، فخالات الأب بالترتيب المذكور، فعمات الأم بالترتيب المذكور، فعمات الأب بالترتيب المذكور.
فإذا لم توجد حضانة من هؤلاء النساء أو لم يكن منهن أهل للحضانة أو إنقضت مدة حضانة النساء إنتقل الحق فى الحضانة إلى العصبات من الرجال بحسب ترتيب الاستحقاق فى الإرث مع مراعاة تقديم الجد الصحيح على الاخوة.
فإذا لم يوجد أحد من هؤلاء إنتقل الحق فى الحضانة إلى محارم الصغير من الرجال غير العصبات على الترتيب الأتي:
الجد لام ، ثم الاخ لام ، ثم ابن الاخ لام ، ثم العم ثم الخال ثم الشقيق ، فالخال لاب ، فالخال لام.
ملحوظة هامة:
((في تاريخ 12/5/2013 حكمت المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 37 لسنة 33 قضائية " دستورية " بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (20) من القانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المستبدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية فيما تضمنه من قصر حق الأجداد فى رؤية أحفادهم على حالة عدم وجود الأبوين، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة )).
ثانياً: المذكـرة الإيضـاحية
«جرى العمل إلى الآن على أن حق الحضانة ينتهي عند بلوغ الصغير سبع سنين وبلوغ الصغيرة تسعا وهي سن دلت التجارب على أنها قد لا يستغني فيها الصغير والصغيرة عن الحضانة فيكونان في خطر ضمهما إلى غير النساء خصوصاً إذا كان والدهما متزوجا بغير أمهما، ولذلك كثرت شكوى النساء من انتزاع أولادهن منهن في ذلك الوقت.
ولما كان المعول عليه في مذهب الحنفية أن الصغير يسلم إلى أبيه عند الاستغناء عن خدمة النساء والصغيرة تسلم إليه عند بلوغ حد الشهوة وقد اختلف الفقهاء في تقدير السن التي يكون عندها الاستغناء بالنسبة للصغير فقدرها بعضهم بسبع سنين وبعضهم قدرها بتسع وقدر بعضهم بلوغ حد الشهوة بتسع سنين وبعضهم قدره بإحدى عشرة. رأت الوزارة أن المصلحة داعية إلى أن... يكون للقاضى حرية النظر في تقدير مصلحة الصغير بعد سبع والصغيرة بعد تسع فإن رأى مصلحتهما في بقائهما تحت حضانة النساء قضى بذلك إلى تسع في الصغير وإحدى عشرة في الصغيرة وإن رأى مصلحتهما في غير ذلك قضي بضمهما إلى غير النساء».
كان العمل جارياً على انتهاء حق النساء فى الحضانة للصغير إذا بلغ سن السابعة ويجوز للقاضى أن يأذن ببقائه فى يد الحاضنة إذا رأى مصلحته فى ذلك إلى التاسعة وأن تتنهى حضانة الصغيرة ببلوغها التاسعة إلا إذا رأى القاضى مصلحتها فى البقاء فى يد الحاضنة فله إبقاؤها حتى الحادية عشرة .
وأنه بتتبع المنازعات الدائرة فى شأن الصغار تبين أن المصلحة تقتضى العمل على استقرارهم حتى يتوفر لهم الأمان والاطمئنان وتهدأ نفوسهم فلا ينزعجون بنزعهم من الحاضنات ومن أجل هذا أرتأى المشرع إنهاء حضانة النساء للصغير ببلوغه سن العاشرة وحضانتهن للصغيرة ببلوغها سن الثانية عشرة ثم أجاز للقاضى بعد هذه السن إبقاء الصغير فى يد الحاضنة حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج أخذا بمذهب الإمام مالك فى هذا الموضع على أنه فى حال إبقائها فى يد الحاضنة بهذا الاعتبار لا يكون للحاضنة الحق فى اقتضاء أجرة حضانة وإنما لها الحق فى نفقة المحضون الذاتية من طعام وكساء وغير هذا من مصاريف تعليم وعلاج وما يقضى به العرف فى حدود يسار الأب أو من يقوم مقامه .
كما أن وجـود الولد ذكرا كان أو أنثى فى يد الحـاضنة قبل بلوغـها العاشرة أو الثانية عشرة أو بعدها لا يغل يد والدهما عنهما ولا يحد من ولايته الشرعية عليهما فإن عليه مراعاة أحوالهما وتدبير أمورهما وولايته عليهما كاملة وإنما يد الحاضنة للحفظ والتربية ولها القيام بالضروريات التى تحتمل التأخير كالعلاج والإلحاق بالمدارس بمراعاة إمكانات الأب .
ثم نص المشرع على حق كل من الأبوين فى رؤية الصغير أو الصغيرة وأثبتت هذا الحق للأجداد عند عدم وجود الأبوين باعتبارهم من الآباء .
وإذا تعذر تنظيم مواعيد الرؤية اتفاقاً نظمها القاضى بشرط أن تتم فى مكان لا يضر بالصغير أو الصغيرة نفسياً كأقسام الشرطة ، وحق رؤية الأبوين للصغير أو الصغيرة مقرر شرعاً لأنه من باب صلة الأرحام التى أمر بها الله "وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله" من الآية رقم 75 من سورة الأنفال ثم منع المشرع تنفيذ حكم الرؤية جبراً وبالقوة حتى لا يضر هذا بالأولاد ، فإذا امتنع من بيده الولد عن تنفيذ حكم الرؤية بغير عذر أنذره القاضى فإن تكرر منه ذلك جاز للقاضى بحكم واجب النفاذ نقل الحضانة مؤقتا إلى من يلى هذا الممتنع عن تنفيذ حكم الرؤية من أصحاب الحق فيها لمدة يقدرها .
ولا مراء فى تنفيذ الحكم بنقل الحضانة يتم بمجرد صدوره لشموله بالنفاذ قانوناً وبالقوة الجبرية بالإعمال للمادة 345 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ثم بين المشروع ترتيب الحاضنات والحاضنين من العصبة وفقاً لفقه المذهب الحنفى .
وإذا رجعنا إلى القانون المصري في ذلك سنجد أن المادة 20 من القانون رقم 25 لسنة ۱۹۲۹ المعدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 تنص على ما يلي:
ينتهي حق حضانة النساء ببلوغ الصغير سن العاشرة وبلوغ الصغيرة اثنتي عشرة سنة ويجوز للقاضي بعد هذه السن إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج في يد الحاضنة دون أجر حضانة إذا تبين أن مصلحتهما تقضى ذلك.
ولكل من الأبوين الحق في رؤية الصغير أو الصغيرة والأجداد مثل ذلك عند عدم وجود الأبوين، وإذا تعذر تنظيم الرؤية اتفاقا نظمها القاضي علي أن تتم في مكان لا يضر بالصغير أو الصغيرة نفسيا.
ولأن هذه السن التي حددها القانون لحضانة الأم هو اجتهاد وليس نصاً ملزماً، واجتهاد مبني على ما قرره الفقهاء قديماً وهو استغناء الطفل عن خدمة النساء وقدرته على القيام بحاجاته الأولية.
وإذا كان التقدير له ما يبرره في القديم فالأمر على خلاف ذلك تماما في الوقت الحاضر فليس مناط نفع الطفل متعلق بقدرته فقط على القيام بخدمة نفسه ولكن متغيرات الواقع الآن تفرض نظرة جديدة لسن الحضانة، فالطفل في العاشرة من عمره والطفلة في الثانية عشرة من عمرها مازالا في مرحلة التعليم الابتدائي ولا يتصور نزع الابن أو الابنة من حضانة الأم ومن محيطه الدراسي والاجتماعي ونقله إلى مجتمع آخر بدون أن يؤثر هذا سلبياً على استمراره في العملية التعليمية باستقرار يؤدي إلى النجاح وبدون أضرار نفسية، وهذه النقلة وهو في هذه السن الصغيرة والواقع يشهد على ذلك والأمثلة كثيرة.
لذا اقترح الارتفاع بسن الحضانة إلى الخامسة عشرة بالنسبة للابن والابنة، وعند هذه السن يكون الأبناء بلغوا درجة من النمو العقلي تعينهم على أن يتم تخييرهم بين الحياة لدى الأم أو لدى الأب اقتضاء بما أرشد إليه الرسول عليه الصلاة والسلام حيث جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة ، وقد نفعني فقال رسول الله : «هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به». رواه أبو داود.
هذا بالنسبة للصغير، وبالنسبة للصغيرة فإنها تخير مثل الصغير، عند الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك الأم أحق بها حتى تتزوج والعلماء متفقون على أن المعتبر في التخيير قدرة الحاضن على حفظ الطفل وصيانته.
قال ابن تيمية: تنازع أبوان صبيا عند بعض الحكام فخيره بينهما فاختار أبوه فقالت له أمه: اسأله لأي شيء يختاره أباه، فسأله فقال: أمي تبعثني كل يوم للكتاب والفقيه يضربني وأبي يتركني للعب مع الصبيان فقضى به للأم وقال: أنت أحق به»،
كما جاء بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الدينية والاجتماعية والأوقاف بمجلس الشعب أن: «حيث إن التعديل الذي يهدف إليه الاقتراح بمشروع قانون يكفل الرعاية الواجبة للصغار ويتيح لهم الاستقرار النفسي اللازم لسلامة نموهم وتربيتهم ونشأتهم ويمنع الخلاف بين الأب والحاضنة على نزع الحضانة في سن غير مناسبة دون رعاية وغنى عن البيان أن حضانة الأم لا تخل بحق الأب في ولايته الشرعية على أبنائه.
واللجنة إذ تقدم تقريرها إلى المجلس الموقر، ترجو الموافقة على الاقتراح بمشروع القانون بالصيغة المرفقة».
المبحث الثاني: أحكام محكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا
ملحوظة: تجدر مراعاة أنه تم تعديل سن الحضانة بموجب القانون رقم 4 لسنة 2005
1 ـ المقرر فى الفقه الحنفى - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن أولى الناس بحضانة الصغير أمه بالإجماع ولو كانت غير مسلمة ، لأنها أشفق وأقدر على الحضانة ، فكان دفع الصغير إليها أنظر له ، والشفقة لا تختلف باختلاف الدين. الطعن رقم 15277 لسنة 74 جلسة 2009/06/15 س 60 ص 727 ق 121.
2. النص فى المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية على أن : " للقاضى أن يأذن بحضانة النساء للصغير بعد سبع سنين إلى تسع و للصغيرة بعد تسع سنين إلى إحدى عشرة سنة إذا تبين أن مصلحتهما تقتضى ذلك " و لما صدر القانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية نص فى الفقرة الأولى من المادة (20 ) على أن : " ينتهى حق حضانة النساء ببلوغ الصغير سن العاشرة و بلوغ الصغيرة سن إثنتى عشرة سنة ، ويجوز للقاضى بعد هذه السن إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة و الصغيرة حتى تتزوج فى يد الحاضنة دون أجر حضانة إذا تبين أن مصلحتها تقتضى ذلك . " مفاده سواء فى المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 أن القانون رقم 100 لسنة 1985 سالفى الذكر أن المشرع و أن راعى إنهاء حضانة النساء للصغير ببلوغ السن المحددة فى هذه المادة إلا أنه لم يجعل من هذا البلوغ حداً تنتهى به حضانة النساء حتماً و إنما استهدف فى المقام الأول مصلحة الصغير لا مصلحة الحاضنة من النساء ، فاذا تبين أن مصلحة الصغير إبقاء الحضانة حتى سن الخامسة عشرة ، و الصغيرة حتى تتزوج فانما يكون ذلك باذن القاضى لا برغبة الحاضنة أو بإرادتها ، يؤكد هذا أن المذكرة الإيضاحية للقانون أوردت : " و إنه بتتبع المنازعات الدائرة فى شأن الصغار تبين أن المصلحة تقتضى العمل على أستقرارهم حتى يتوفر لهم الامان و الاطمئنان و تهدأ نفوسهم فلا ينزعجون من الحاضنات و من أجل هذا إرتأى المشرع إنهاء حضانة النساء للصغير ببلوغة العاشرة و حضانتهن للصغيرة ببلوغها سن الثانية عشر ، ثم أجاز للقاضى بعد هذه السن إبقاء الصغير فى يد الحضانة حتى سن الخامسة عشر و للصغيرة حتى تتزوج أخذا بمذهب الإمام مالك فى هذا الموضوع على أنه فى حال إبقائهما فى يد الحاضنة لهذا الإعتبار لا يكون للحاضنه حق فى أقتضاء أجرة حضانه . . . . " و إستطردت المذكرة : ". . . . و إنما يد الحاضنة للحفظ و التربية . . . " لما كان ذلك فإن الأصل أن حضانة الطاعنة الأولى لابنتها الطاعنة الثانية بعد بلوغها سن الثانية عشرة حتى تتزوج لا يتقرر إلا إذا أجاز القاضى ذلك ، و إذ خلت أوراق الدعوى مما يفيد حصول الطاعنة الأولى على حكم بحضانتها لإبنتها حتى تتزوج و كان لا يكفى فى هذا الصدد قولها إنها إستمرت حاضنة لها إذ أنه مخالف للأصل بإنتهاء حق حضانة . النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة السن المقرر قانوناً - حسبما سلف بيانه - و لا تبقى الصغيرة فى حضانة النساء حتى تتزوج إلا بإجازة القاضى و بما له من سلطة تقديرية ، و تغليباً لمصلحة الصغيرة لا بالنظر إلى قول الحاضنة من النساء ، لما كان ما تقدم و كان واقع الدعوى الذى سجله الحكم المطعون فيه أن طلاق الطاعنة الأولى وقع بتاريخ 1982/7/28 ، و قد إنتهت عدتها ، و أصبحت غير حاضنة لولديها ( الطاعنين الثانية و الثالثة ) و كانت الأحكام تدور مع علتها و قد زال حق الطاعنة الأولى فى الحضانة فلا يحق لها البقاء بمسكن الحضانة إعمالاً لنص المادة ( 18 مكرراً ثالثاً ) المضافة إلى القانون رقم 25 لسنة 1929 بالتعديل الحاصل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 المشار اليه و من ثم تضحى و الحالة هذه فاقدة لسند حيازتها عين النزاع .الطعن رقم 335 لسنة 57 جلسة 1988/03/21 س 39 ع 1 ص 436 ق 89.
3. النص فى الفقرة الخامسة من المادة 20 من القانون 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على أنه ويثبت الحق فى الحضانة للأم ثم للمحارم من النساء مقدماً فيه من يدلي بالأم على من يدلي بالأب، ومعتبراً فيه الأقرب من الجهتين على الترتيب التالي: الأم فأم الأم وإن علت، فأم الأب وإن علت.....الخ" مما مفاده أن أحق النساء بحضانة الصغير أمه مادامت أهلاً للحضانة، وإذا لم توجد الأم أو كانت غير أهل للحضانة، انتقل حق الحضانة إلى الأم مهما علت، ثم إلى أم الأب وإن علت، وقدمت أم الأم على أم الأب فى الحضانة مع تساويهما فى درجة القرابة، لأن قرابة الأولى من جهة الأم، وقرابة الثانية من جهة الأب، وحق الحضانة مستفاد من جهة الأم فالمنتسبة بها تكون أولى من المنتسبة بالأب.الطعن رقم 11 لسنة 64 جلسة 1999/06/28 س 50 ع 2 ص 912 ق 178.
4. إذ كان الثابت بالأوراق أن المطعون ضده الثالث قد اعتنق دين الإسلام بموجب وثيقة إشهار الإسلام رقم ...... , وأن الصغيرين ...... , ...... لم يبلغا بعد السن المقررة لانتهاء حضانة النساء الإلزامية وقت الحكم المطعون فيه , وهى سن الخامسة عشر عملاً بالمادة 20 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانونين رقمى 100 لسنة 1985 ، 4 لسنة 2005 , ومن ثم فإن حقهما فى حضانة النساء لا يزال قائماً طبقا لهذا القانون , وكانت أولى النساء بهذا الحق هى الأم , فإن المطعون ضدها الأولى تكون صاحبة الحق فى حضانة الصغيرين ...... , ...... باعتبارها والدتهما ولو أنها لا تزال كتابية على دين المسيحية , وهما تابعان لوالدهما المطعون ضده الثالث على دين الإسلام , إذ الأساس فى استحقاق الأم للحضانة هو الشفقة , وليس الدين , ولا ينال من ذلك أن يكون هذين الصغيرين قد جاوزا سن السابعة , إذ خلت الأوراق مما يفيد أنه ثبت لمحكمة الموضوع بدرجتيها أن لديهما القدرة على إعمال العقل فى التمييز بين الأديان المختلفة , كما لم يثبت أنه صدر عن المطعون ضدها الأولى من الأقوال أو الأفعال ما ينجم عنها أن يألف هذين الصغيرين غير دين الإسلام سواء كان ذلك قبل أو بعد بلوغهما هذه السن , وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بتأييد الحكم الابتدائى القاضى بضم الصغيرين ...... , ...... إلى المطعون ضده الثالث دون أن يستظهر مبررات إسقاط الحضانة عن المطعون ضدها الأولى , فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه طبقاً لنص المادة 250 من قانون المرافعات .الطعن رقم 15277 لسنة 74 جلسة 2009/06/15 س 60 ص 727 ق 121.
5 ـ مفاد النص فى الفقرة الأولى من المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 - ببعض أحكام الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 - أن إبقاء الصغير أو الصغيرة بعد انقضاء السن المقررة لانتهاء حضانة النساء فى يد الحاضنة لا يعد إمتداداً لحقها فى الحضانة , وإنما هى مدة استبقاء بعد أن أصبح فى مقدور الأولاد الاستغناء عن حضانة وخدمة النساء .الطعن رقم 241 لسنة 74 جلسة 2009/05/18 س 60 ص 627 ق 102.
3 ـ إذ كانت أحكام حضانة الصغار متعلقة بالنظام العام ، وكان المشرع فى الفقرة الأولى من المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 قد قرر انتهاء حق حضانة النساء ببلوغ الصغير العاشرة من عمره ، إلا أنه بموجب القانون رقم 4 لسنة 2005 الصادر بتاريخ 2005/3/7عدل هذه السن بجعل انتهاء هذا الحق ببلوغ الصغير الخامسة عشر من عمره ، وهو تعديل يتعلق بذاتيه القاعدة القانونية التى تقرر حق النساء فى الحضانة ، فإنه يأخذ حكم القاعدة الآمرة المقررة لهذا الحق ، ومن ثم فإنه يسرى بأثر فورى من تاريخ صدوره على الدعوى الماثلة ، رغم رفعها قبل هذا التاريخ وعدم استقرار المراكز القانونية الناشئة عنها فيه .(الطعن رقم 617 لسنة 75 جلسة 2006/09/18 س 57 ص 692 ق 129.
6 ـ النص فى الفقرة الأولى من المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على أنه "ينتهي حق حضانة النساء ببلوغ الصغير سن العاشرة وبلوغ الصغيرة سن اثنتي عشرة سنة ويجوز للقاضي بعد هذه السن إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج فى يد الحاضنة بدون أجر حضانة إذا تبين أن مصلحتهما تقتضي ذلك" مفاده أن المشرع وإن إرتأى إنهاء حضانة النساء للصغير ببلوغ السن المحددة فى هذه المادة إلا أنه لم يجعل من هذا البلوغ حداً تنتهي به حضانة النساء حتماً وإنما استهدف فى المقام الأول - وعلى ما بينته المذكرة الإيضاحية - العمل على استقرار الصغار حتى يتوفر لهم الأمان والاطمئنان وتهدأ نفوسهم فلا يروعون بنزعهم من الحاضنات فأجاز للقاضي بعد هذه السن إبقاء الصغير فى يد الحاضنة حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج طبقا لما يراه بمقتضى سلطته التقديرية محققاً لمصلحة الصغير.(الطعن رقم 11 لسنة 64 جلسة 1999/06/28 س 50 ع 2 ص 912 ق 178.
7 ـ إذ كان المشرع قد قرر فى المادة الثالثة من قانون المرافعات قاعدة أصولية تقضى بأنه لا دعوى ولا طلب ولا دفع بغير مصلحة . لما كان ذلك ، وكانت الطاعنة قد عقدت خصومة الاستئناف بشخصها بعد أن انتهت مدة حضانتها قانوناً وبذات الصفة طعنت بالنقض ، ومن ثم تنتفى صفتها فيها وبالتالى مصلحتها فى التمسك بالإقرار الصادر من المطعون ضده لابنتيه ( بالتنازل لهما عن مسكن الحضانة ) دونها إذ لم تقدم أمام محكمة الاستئناف ومحكمة النقض ما يفيد نيابتها عن الصغيرتين صاحبتى الصفة والمصلحة فى التمسك بالإقرار ودلالته ، ويضحى النعى على الحكم فى هذا الخصوص غير مقبول.(الطعن رقم 866 لسنة 73 جلسة 2013/06/11.
8 ـ إذ كان يبين من الحكم السابق أن المطعون عليه أقام الدعوى ضد الطاعنة بطلب ضم الصغيرة إليه لبلوغها أقصى سن للحضانة و أنها إستغنت عن خدمة النساء فقضى الحكم برفض الدعوى إستناداً إلى أنه ثبت من الكشوف الطبية أن الصغيرة مصابة بمرض التبول اللا إرادى مما يجعلها فى حاجة لخدمة النساء ، و كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يستند فى قضائه إلى سبب إستجد بعد صدور ذلك الحكم ، و إنما إستند إلى مجرد إهدار الدليل الذى أقام الحكم السابق قضاءه عليه دون أن تتغير الدواعى و الظروف التى أدت إلى إصداره ، فإنه يكون قد ناقض قضاء الحكم السابق الذى صدر فى نزاع بين الخصوم أنفسهم و تعلق بذات الحق محلاً و سبباً و حاز قوة الأمر المقضى ، و هو ما يجيز الطعن رغم صدوره من محكمة إبتدائية بهيئة إستئنافية عملاً بالمادة 249 من قانون المرافعات .(الطعن رقم 69 لسنة 49 جلسة 1980/04/30 س 31 ع 1 ص 1269 ق 241.
9 ـ الأصل فى الأحكام الصادرة فى دعاوى الحضانة أنها ذات حجية مؤقتة لأنها مما تقبل التغيير و التبديل بسبب تغير دواعيها ، إلا أن هذه الحجية المؤقتة تظل باقية طالما أن دواعى الحضانة و ظروف الحكم بها لم تتغير ، و الحكم الذى ينكر هذه الحجية يكون قد خالف القانون و يجوز الطعن فيه بالنقض عملاً بالمادة 249 من قانون المرافعات متى كان الحكم قد حاز قوة الأمر المقضى .الطعن رقم 69 لسنة 49 جلسة 1980/04/30 س 31 ع 1 ص 1269 ق 241.
10 ـ حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليه الخامس كان قد أقام الدعوى رقم 1201 لسنة 2006 " محكمة الأسرة – رمل الإسكندرية " بطلب تمكينه من رؤية ابنته الصغيرة – المشمولة بحضانة والدتها – المدعى عليها السادسة ، مرة كل أسبوع، فتدخلت المدعية فى هذه الدعوى تدخلاً انضماميًا، باعتبارها الجدة لأم الصغيرة ، بطلب الحكم بتمكينها من رؤيتها . حكمت المحكمة بجلسة 18/4/2010 برفض تدخل المدعية ، التي لم ترتض هذا الحكم وطعنت عليه بالاستئناف رقم 3828 لسنة 66 " ق – الإسكندرية "، وبجلسة 18/1/2011 دفعت المدعية بعدم دستورية عجز نص الفقرة الثانية من المادة (20) من القانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية ، فيما تضمنه من قصر رؤية الأجداد للأحفاد فى حالة عدم وجود الأبوين فقط، وذلك لمخالفته
نص المادتين (2، 9) من دستور عام 1971.
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة رقم (20) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المستبدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية تنص على أنه :- " ولكل من الأبوين الحق فى رؤية الصغير أو الصغيرة وللأجداد مثل ذلك عند عدم وجود الأبوين " .
وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه مخالفة المادتين (2، 9) من دستور سنة 1971، المقابلتين للمادتين (2، 10) من دستور سنة 2012، لإخلاله بوحدة الأسرة ، وعدم توكيد قيمها العليا، وصون أفرادها حتى يبقى بنيانها قائمًا على الدين والأخلاق، فضلاً عن عدم توفيره المناخ المناسب بما يهدد وحدة الأسرة التي حرص الدستور على صونها، خاصة وأن رؤية الأحفاد لأجدادهم حق لهم لتمكينهم من التواصل والارتباط بهم، وبذلك فإن النص المطعون فيه يمثل هدمًا لكيان الأسرة التي حرصت الشريعة الإسلامية على حمايتها، مما يخالف مقاصد الشريعة ويترتب عليه مخالفة أحكام الدستور .
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة . وبالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر فى 25/12/2012 .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن ما نص عليه دستور عام 1971 فى مادته الثانية – بعد تعديلها سنة 1980 – المقابلة للمادة (2) من دستور سنة 2012، من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، إنما يتمخض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه وتنزل عليه فى تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل، فلا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام هى التى لا يجوز الاجتهاد فيها إذ تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً . ومن غير المتصور تبعًا لذلك أن يتغير مفهومها تبعًا لتغير الزمان والم كان، إذ هى عصية على التعديل ولا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها . ولا ينطبق ذلك على الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو دلالتها أو بهما معًا، فهذه الأحكام التي تنحصر فيها دائرة الاجتهاد، ولا تمتد إلى سواها، حيث تتغير بتغير الزمان والم كان لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها، وعلى أن يكون هذا الاجتهاد واقعًا فى إطار الأصول الكلية للشريعة الإسلامية بما لا يجاوزها، متوخيًا تحقيق المقاصد العامة للشريعة بما يقوم عليه من صون الدين والنفس والعقل والعرض والمال، ولئن جاز القول بأن الاجتهاد فى الأحكام الظنية حق لأهل الاجتهاد فأولى أن يكون هذا الحق ثابتًا لولى الأمر يستعين به فى كل مسألة بخصوصها وبما يناسبها . وأية قاعدة قانونية تصدر فى هذا الإطار لا تحمل فى ذاتها ما يعصمها من العدول عنها وإبدالها بقاعدة جديدة لا تصادم حكمًا شرعيًا قطعيًا، وتكون فى مضمونها أرفق بالعباد، وأحفل بشئونهم، وأكفل لمصالحهم .
لما كان ذلك، وكان حق رؤية الأبوين للصغير أو الصغيرة من ثوابت الشريعة الإسلامية ارتكانًا إلى صلة الرحم وبر الوالدين، إلا أنه حق أصيل لمصلحة الصغير، ولصالح أصوله على حد سواء، تلبية للفطرة الطبيعية التي فطر الله الناس عليها . وحين يقرر المشرع حدود هذه المصالح معرفًا بأبعادها، فذلك لأن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية – القطعية فى ثبوتها ودلالتها – لا تقيم لحق الرؤية تخومًا لا ينبغى تجاوزها، ومن ثم تعين أن يتحدد نطاق مباشرته بما يكون أو فى بمصالح الصغير والأبوين والأجداد، ومؤدى ذلك أنه يتعين ألا يكون تنظيم مباشرة هذا الحق محددًا بقواعد جامدة صارمة لا تأخذ فى اعتبارها تغير الزمان والم كان، بل ينبغى أن يتسم دومًا بقدر من المرونة التي تتسع لها الأحكام الفرعية المستجيبة دومًا للتطور، وهى مرونة ينافيها أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يحيد عنها، أو أن يتوقف اجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعًا قد تجاوزتها . وإذا كان للمشرع الاجتهاد فى الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التي يقوم برهانها من الأدلة الشرعية ، وكان الثابت أنه ليس هناك نص قطعى الثبوت والدلالة فى شأن تنظيم حق الرؤية ، فإن قيام المشرع بتنظيم هذا الحق لا يعدو أن يكون واقعًا فى دائرة الاجتهاد ويتعين أن يكون محققًا لأحد مقاصد الشريعة ، تلبية لمتطلبات الظروف الاجتماعية التي تواكب إصدار النص المقرر . وإذ كان ذلك، وكان النص المطعون عليه بقصره حق الأجداد فى رؤية أحفادهم على حالة عدم وجود الأبوين، قد أخلّ بما يتطلبه الحفاظ على صلة الرحم، وال إبقاء على الروابط الأسرية وما يحمله هذا وذاك من قيم عليا تحقق للنفس البشرية تكاملها الذى تهدف إليه مقاصد الشريعة الغراء، فإنه يكون من هذه الوجهة مخالفًا لأحكام الشريعة الإسلامية ومن ثم للمادة الثانية من الدستور .
وحيث إن الحق فى تكوين الأسرة لا ينفصل بالضرورة عن الحق فى صونها، بما يكفل تنشئة أطفالها وتقويمهم وتحملهم مسئولياتهم . وكان الدستور الحالى قد نص فى مادته العاشرة على أن الأسرة أساس المجتمع وأن قوامها الدين والأخلاق والوطنية ، وأن الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما ينطوى عليه من قيم وتقاليد، هو ما ينبغى الحفاظ عليه، وتوكيده فى العلائق داخل مجتمعها، وأن الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة ورعايتها وضرورة لتقدمها . لما كان ذلك، وكان من المقرر أن كل قاعدة قانونية لا تحمل ما يعصمها من العدول عنها وإبدالها بقاعدة جديدة ، تكفل فى مضمونها المصالح الحقيقية التي يتعين أن تشرع الأحكام لتحقيقها . وكان الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية يتمثل جوهرها فى المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقرر أنه أنسب لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها، محققًا لما يهدف إليه التنظيم الذى يشرع له . فإذا كان النص المطعون عليه قد حاد عن تحقيق المصالح المشروعة للأسرة ثم للصغير فى علاقته بأسرته وخاصة أجداده، بما يحمله ذلك من أحاسيس ومشاعر متبادلة بينهم لا تختلف عن تلك القائمة بين الصغير وأبويه، متجاوزًا بذلك إلى الإسهام فى فصم عرى العلاقات الأسرية والتواصل بين أجيالها على أساس من القيم والتقاليد المتوارثة والأطر الثقافية الثابتة ، ومتجاهلاً التطورات المتسارعة التي توالت على المجتمع والأسرة ، وتعدد الأنزعة فى مجال رؤية الأبوين والأجداد للصغير، بما تحمله من لدد فى الخصومة ، وعنت من الحاضنة أو الحاضن فى تمكين الأجداد من رؤية أحفادهم، وما يرتبه ذلك كله من حرمانهم من عواطف أجدادهم الجياشة وتعلقهم بهم ورعايتهم لهم، وهو ما يؤدى إلى العديد من محن قد تعصف بالصغار .
وحيث إن النص الطعين انطوى أيضًا على تمييز بدون مبرر فى تنظيم حق رؤية الأحفاد بين الأجداد فى حالة وجود الأبوين، وبين الأجداد فى حالة عدم وجود الأبوين، رغم تماثل مراكزهم القانونية ، ومساواتهم فى درجة القرابة ، بما يناهض مبدأ المساواة المنصوص عليه فى الدستور، ذلك أنه من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أنه إذا ما قام التماثل فى المراكز القانونية التي تنتظم بعض فئات المواطنين وتساويهم تبعًا لذلك فى العناصر التي تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التي يجب تطبيقها فى حقهم، فإن خرج المشرع على ما تقدم سقط فى حمأة المخالفة الدستورية ، وبذلك يكون النص المطعون فيه قد خالف نصوص المواد (2، 10، 33) من الدستور، بما يوجب القضاء بعدم دستوريته .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (20) من القانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المستبدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية فيما تضمنه من قصر حق الأجداد فى رؤية أحفادهم على حالة عدم وجود الأبوين، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة الدعوى 37 لسنة 33 - دستورية - جلسة 12 / 5 / 2013 .
المبحث الثالث: أحكام الحضانة في شرح فقهاء القانون والخبراء
تعريف الحضانة
الحضانة بكسر الحاء المهملة مصدر من حضن الصبي حضناً وحضانة جعله في حضنه أو رباه فاحتضنه، والحضن بكسر الحاء هو ما دون الإبط إلي الكشح والصدر أو العضدان وما بينهما وجانب الشئ أو ناحيته .
وفي الشرح : حفظ من لا يستقل بأمره وتربيته ووقايته عما يهلكه أو يضره .
مراحل الولاية :
إن الإسلام نظم تربية الطفل منذ ولادته وحدد الولاية في ثلاث مراحل :
الأولي : ولاية تربية :
وهي الفترة التي يعجز فيها الطفل عن القيام بحاجاته التي تتوقف عليها حياته بنفسه وتسمى مرحلة الحضانة ويعرفها الفقهاء بأنها تربية الولد ( ذكرا كان أو أنثي ) والقيام على أمور طعامه ولباسه ونظافته وتعليمه وتطبيبه .
الثانية : الولاية علي النفس :
ومهمتها الحفظ والتأديب وإحسان التوجيه إلى الطريق الذي يسلكه الولد في حياته وإكمال تعليمه بأن يكون عضواً نافعاً في مجتمعه يؤدي حقوق الله وحقوق العباد .
الثالثة : الولاية علي المال :
ومهمتها تدبير شئون أموال الصغير وإدارتها وتنميتها إن كان ذا مال حتى يبلغ رشده وأشده ويحسن التصرف فيها .
ولقد جعل الإسلام المرحلة الأولي من حق الأم وأوجبها عليها أو من يليها في الحاضنات ، لأن الطفل في هذه المرحلة في حاجة إلى الرقة والحنان والعطف وأن هذه الصفات تظهر بوضوح في النساء دون الرجال .
أما عن المرحلتين الأخيرتين فقد أسندت إلي الأب أو من يقوم مقامه من العصبة في عمود النسب الأبوي .
شروط الحضانة :
١- البلوغ : فلا حضانة لصغير إذ أنه محتاج لمن يحضنه ويكفيه ولأن الحضانة في باب الولاية والصغير ليس من أهل الولاية .
٢ - العقل : فلا حضانة لمجنون ولا معتوه فلا يستطيع كل منهما القيام بشئون نفسه حتي يتولي شئون غيره ، كما أنه يخشى على الصغير منه فلا يتحقق الهدف الأسمى من الحضانة وهو التربية والعناية به .
3 - أن لا يرتد الحاضن فإن ارتدت سقط حقها في الحضانة سواء لحقت بدار الحرب أم لا، إذ أنه من المقرر في مذهب الحنفية أنه بمجرد ردة الزوجة المسلمة تقع الفرقة بينها وبين زوجها المسلم دون توقف على صدور حکم بذلك .
طبيعة الحضانة :
هل الحضانة حق الحاضنة أم حق الولد :
يري بعض الفقهاء أن الحضانة حق الأم فلا تجبر عليها إذا امتنعت عن أخذ الولد إلا في حالة ما إذا لم يكن للولد الصغير ذو رحم سوي الأم ففي تلك الحالة تجبر علي حضانته لئلا يفوت حق الولد ، إذ الأجنبية لا شفقة لها عليه ، والمشهور عند المالكية أنه لا تجبر الشريفة التي لا عادة لها بالإرضاع ، وتجبر التي هي ممن ترضع فإن لم يوجد غيرها أو وجد ولكن الولد لم يأخذ ثدي غيرها أجبرت علي ذلك .
ويري البعض أن الحضانة حق للولد فتجبر الأم على حضانته وقد جاء في الفتح ( أنه لو اختلعت علي أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع جائز والشرط باطل لأن هذا حق للولد أن يكون عند أمه ما كان إليها محتاجا . وقد استدلوا بقوله تعالى : {{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ }}).
فالمراد بالأمر هو للوجوب ، وأما آية فسترضع له أخرى فإن الكلام فيها ليس في الحضانة بل في الإرضاع.
ويري البعض أن الحضانة حق مشترك بين الحاضنة والطفل ، فالأم مثلا لها حق حضانة طفلها الصغير ما دامت أهلا لذلك ولا يستطيع أحد أن يسلبها ذلك الحق ، وإن كان لها حق التنازل عن هذا الحق إذا وجد هناك محرم أخر تصلح للحضانة ، كما أن الولد له حق أن يحضن وتتولاه محرم تقوم علي تربيته ولا تتعين محرم بذاتها عند تعدد المحارم لأن حقه في أن يحضن لا يلزم أن تكون حضانته عند امرأة بعينها ، فإن لم يكن في محارمه سوى إمرأة واحدة تصلح لحضانته كانت هي المتعينة وتجبر على ذلك حتى لا يترتب عليه ضياع الولد .
وقد صرح بذلك المفتي أبو السعود حين سئل : في رجل طلق زوجته وله منها ولد صغير وأسقطت حقها في الحضانة وحكم بذلك حاكم فهل لها الرجوع بأخذ الولد فأجاب ( نعم لها ذلك ) فإن أقوي الحقين في الحضانة للصغير ولئن أسقطت الأم حقها لا تقدر على إسقاط حق الولد أصلاً .
يخلص من ذلك أنه يكون قول من قال إنها حق الحاضنة فلا تجبر ، محمول علي ما إذا لم تتعين له واقتصر على أنها حقها لأن المحضون حينئذ لا يضيع حقه لوجود من يحضنه غيرها من المحارم .
ومن قال إنها حق الولد فتجبر على الحضانة محمول على ما إذا تعينت ولم يوجد غيرها من الحاضنات حتى لا يضيع الولد .
وإذا ثبت أن الحضانة حق الطفل وحق الحاضنة تفرع على حق الطفل ما يأتي :
١- ليس للأم أن تخالع زوجها على أن تتنازل له عن حضانة ولدها فإن فعلت ذلك صح الخلع وبطل الشرط فتبقى حضانة الولد لها ، لأن الحضانة حق الصغير وهي لا تملك التصرف في حقه وإن كان لها حق معه .
٢- ليس للأم الحاضنة أن تصالح زوجها على أن تتنازل له عن حضانة الصغير مقابل دين عليها لزوجها فتصالحه على ترك حضانة الصغير نظير ما عليها من دين ، وكذلك يسري الحكم بالنسبة لغير الأم ولكن يجوز للحاضنة أما أو غيرها من الحاضنات أن تصالح علي أجرة الحضانة لأنها خالص حقها .
3 - إذا تعينت الحاضنة أما أو غيرها أجبرت عليها ولا يجوز لها التنازل حتى لا يفوت على الطفل حقه.
كما أنه من المقرر أن الحالة الشخصية للإنسان من النظام العام فليس لأحد باتفاق خاص أن يعدل من أحكامها ويترتب على ذلك بطلان الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية فلا يجوز أن يتصالح شخص مع آخر على بنوته منه بنفي أو إثبات أو على تعديل الولاية والوصاية والقوامة أو علي حق الحضانة . لذلك فإذا تعين الأب للحضانة فإنه يجبر عليها إذا ثبت عدم أهلية الأم للحضانة ولم يوجد من النساء من يستحق تلك الحضانة أو جد ولم يتوافر فيها شروط الحضانة ، الأمر الذي لا يجوز له أن يتنازل عن حق الحضانة للغير لأن الحضانة حق الصغير فلا يملك التصرف فيها لأنه سيترتب عليها تفويت حق الطفل في القضاء ، والمرتدة ليست أهلا للحضانة لأن جزاءها الحبس حتى تتوب أو تموت ، فلا تصلح لحضانة الطفل وتربيته ما بقيت علي ردتها ولأنها برجوعها عن الإسلام تكون مبغضة لدين الطفل المسلم ، ولا تؤمن أن توجهه إلي غير الإسلام فينزع من يدها محافظة عليه والولد يتبع خير الأبوين دينا . فإن تابت رجع لها حقها في الحضانة .
4 - أن لا تكون فاسقة غير مأمونة عليه ، لأن الفاسقة ليست أهلا للحضانة، لكن اختلف في مدي الفسق المانع من الحضانة فقيل إنه مطلق الفسق يمنع الحضانة كالفاسقة بترك الصلاة لا حضانة لها .
وقيل إن المراد بالفسق الذي يضيع به الولد كالزني المقتضي لإشتغال الأم عن الولد بالخروج من المنزل كأن تكون سارقة أو محترفة حرفة دنيئة كالنائحة والراقصة فالمناط ضياع الولد .
والفسق مانع للحضانة عند المالكية والشافعية والحنابلة ، لأن الفاسق غير موثوق به في أداء واجبه من الحضانة وفي حضانته للولد ضرر وحجتهم أن الحضانة ولاية ولا ولاية لفاسق .
لذلك فمحترفة البغاء ليست أهلا للحضانة شرعا وينزع منها الصغير ، وكذا احتراف والدة الصغير التمثيل والرقص مسقط لحقها في الحضانة لأنهما يخالفان تعاليم الدين الإسلامي السامية وآدابه الحكيمة ولأن ضم الصغيرة إلى أمها الراقصة يطبع صورة غير لائقة في ذاكرتها و مخيلتها .
أما إذا كان الفسق ليس من شأنه أن يضيع الولد فإن حقها في الحضانة لا يسقط .
5 - أن لا تتزوج غير أبيه ، فإن تزوجت سقط حقها إلا أن يكون زوجها رحما للصغير كأن يكون عما له ، فإن تزوجت أجنبيا سقط حقها، لأن حق الحضانة للنظر للصغير وقد فات عند التزوج لأن زوج الأم يعطيه نزرا أي قليلا وينظر إليه شذرا أي نظر المبغض فلا نظر له إذ ذاك إلا الجدة إذا كان زوجها جد الصغير لأنه قائم مقام الأب فينظر إليه ومن سقط حقها في الحضانة بالتزوج يعود لها إذا ارتفعت الزوجية - بأن طلقها الزوج الثاني - لأن المانع قد زال . وهذا هو ما ذهب إليه الجمهور من الفقهاء مستدلين بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : {{ أنت أحق به ما لم تتكحي }} وقد ذهب الحسن وابن حزم إلي عدم سقوط حقها في الحضانة بالنكاح ، واستدل بأن أنس بن مالك كان عند والدته وهي متزوجة ، وكذا أم سلمة تزوجت بالنبي صلى الله عليه وسلم وبقي ولدها في كفالتها وكذا ابنه حمزة قضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وهي متزوجة .
وقد رد على هذا الرأي أنه في حالة عدم طلبه فلا نزاع في أن للأم المتزوجة أن تقوم بولدها ولم يذكر في القصص المذكورة أنه حصل نزاع في ذلك فلا دليل فيما ذكر على ما ادعاه .
6 - أن لا تترك الصبي دون مراقبة منها ، خاصة إذا كانت أنثي تحتاج إلي رعاية ، فإن كانت الأم من النساء اللائي يخرجن طول الوقت وتهمل في تربيتها فإن حقها في الحضانة يسقط .
۷- إذا امتنعت الأم عن حضانة الصغير إلا بأجرة ، وقالت عمته أنا أربيه بغير أجرة وكان الأب مصر، فإن للعمة حق الحضانة ويسقط حق الأم في الحضانة .
۸- أن لا تكون أمه أو أم ولد .
- واشتراط حرية الحاضن قالت به الهادوية وأصحاب الأئمة الثلاثة . لأن المملوك لا ولاية له على نفسه فلا يتولى غيره ، والأمة إذا أعتقها مولاها وأم الولد إذا اعتقت فهي كالحرة من حقها حضانة الولد لأنهما حرتان وقد ثبت لهما الحق لأنهما قبل العتق ليس لها حق في الولد لعجزهما عن الحضانة بالاشتغال بخدمة المولى.
ويرى المالكية أن الأم أحق به ما لم تبع فتنتقل الحضانة ويكون الأب أحق به واستدلوا بعموم الحديث : {{ لا توله والدة عن ولدها}} وحديث {{ من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة }}.
اختلاف الدين :
لا يشترط في حاضنة الولد المسلم أن تكون مسلمة بل يثبت لها هذا الحق ولو كانت غير مسلمة ، لأن الشفقة الطبيعية لا تختلف بالإسلام وغيره متي كانت أهلا لذلك - بأن كانت بالغة عاقلة أمينة على الصغيرة قادرة على تربيته ورعايته ، وأن لا تكون متزوجة بغير ذي رحم محرم للصغير وأن لا تعيش به مع من يبغضه ويبقى الولد في يدها إلي سن التمييز - فإذا بلغ من السن حدا يعقل فيه الأميان ويميز الطقوس والعبادات وخيف عليه أن يألف ديانتها ويتعود أعمال عبادتها، أو رأها تذهب به إلى الكنيسة أو تطعه لحم الخنزير أو تسقيه الخمر فإن للأب أن ينزعه منها . وقد استدل بحديث رافع بن سنان رضي الله عنه أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأقعد النبي صلى الله عليه وسلم الأم في ناحية والأب في ناحية وأقعد الصبي بينهما فمال إلي أمه . وقال اللهم أهده فمال إلى أبيه فأخذه .
ففي الحديث دليل علي ثبوت حق الحضانة للأم الكافرة وإن كان الولد مسلماً إذ لو لم يكن لها حق لم يقعده النبي صلى الله عليه وسلم كما أنه قبل أن يعقل نظر للصغير أن يكون عند الأم لوفور شفقتها وعطفها عليه.
وذهب الجمهور بأنه لا حضانة لها مع كفرها وقالوا لأن الحاضن يكون حريصاً على تربية الطفل على دينه لأن الله تعالى قطع الموالاة بين الكافرين والمسلمين وجعل المؤمنين بعضهم أولي ببعض فقال تعالى : {{وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلً }}.
غير أن بعض الفقهاء رأوا أن سبب الحضانة هو الشفقة علي الصغير والنظر في صالحه وذلك أمر لا يختلف باختلاف الدين إلا أنهم قيدوا ذلك بما إذا لم يعقل ديناً أو يخشي عليه أن يألف غير دين الإسلام أو يألف عادات أهل الكفر فلا يكون لها حق في حضانة المسلم ، بل إن كان في يدها أخذ منها رعاية لمصلحة الصغير . فقد جاء في الخافية والبدائع وأهل الذمة في الحضانة مثل أهل الإسلام " لأن هذا الحق إنما يثبت نظراً للصغير وأنه لا يختلف بالإسلام والكفر .
وجاء في متن التنوير وشرح الدر المختار " والحاضنة الذمية كالمسلمة ما لم يعقل ديناً أو يخاف أن يألف الكفر فينزع منها وإن لم يعقل دينا ".
وقال صاحب الدرر الذمية المسلمة حتى يعقل ديناً أو يخاف أن يألف الكفر " . وقال شارحه فإن ألف الكفر قد يكون قبل تعقل الدين فإن أضيف هذا ينزع منها أيضا .
وجاء في فتح القدير " وتمنع أن تغذيه بالخمر أو لحم الخنزير وإن خيف ضم إلي أناس من المسلمين .
وقال صاحب العناية تعليقاً على ما جاء في الهداية ما لم يعقل الأديان أو يخاف أن يألف الكفر ، لأن الدفع إليها قبل ذلك نظر للصبي وبعده يحتمل الضرر بانتفاش أحوال الكفر في ذهنه .
ويخلص من ذلك أن للذميين الحق في حضانة الصغير المسلم بشرط ألا يعقل ديناً أو يخاف عليه أن يألف الكفر أو تطعمه الحاضنة ما لا يجوز لمسلم أن يتناوله ويستفاد من النصوص المذكورة ثلاثة أمور :
أولا : أن الفقهاء لم يحددوا سنة يألف فيها الطفل الأديان ويوضح ذلك ما قاله صاحب الرد المختار نقلاً عن النهر في معرض عقل الأديان " ينبغي تقدير سنه بسبع سنين لصحة إسلامه حينئذ " وقال في خوف إلف الكفر " ينزع منها وإن لم يعقل دينا ".
فيفهم من هذا أن الصغير ينزع من حاضنته الذمية وإن لم يبلغ سبع سنوات .
ثانياً : أن الفقهاء ذكروا الإلف للكفر على سبيل المثال كأن تأخذه اللام إلى معابدها أو تسقيه الخمر أو تطعه لحم الخنزير .
ويستفاد من ذلك أن الفقهاء أرادوا أن يحولوا بين الطفل وما يغرس في نفسه عادة احترام الكفر والانصراف عن دين الإسلام فيقاس عليه كل مظهر من شأنه أن يثبت ذلك في نفس الطفل كأن تنكر الأم علي لسانها في جميع حركاتها وسكناتها وعلى مسمع من أولادها ألفاظ دينها بالاحترام وألفاظ غيرها بالاستهزاء والسخرية .
ثالثاً : أن الفقهاء عبروا بكلمة يخاف في معرض إلى الكفر وفي ذلك دلالة علي أنهم اتخذوا من الحضانة معيارا ضيقا هو مجرد الخوف من إلف الكفر ، وما دام أنه لا مانع يمنع الذمية التي تعتقد حل الخمر والخنزير أن تغذي ابنها به ، كما أنه ليس هناك مانع من الذهاب به إلى معابدها فإن إلف الكفر إن لم يكن أمرا محققاً فعلى الأقل متوقع ومتخوف منه .
ترتيب الحاضنات :
الحضانة تثبت للأقارب من النساء والرجال على الترتيب الآتي :
الأم أحق بالحضانة سواء أكانت متزوجة بالأب أو مطلقة، لكن لا تجبر الأم علي ذلك إذا أبت الحضانة إلا أن لا يكون للصغير ذو رحم سواها فتجبر على حضانته حتى لا يضيع الولد إذ الأجنبية لا شفقة لها عليه ، فإذا لم تكن له أم بأن ماتت أو تزوجت بأجنبي فلأم الأم وإن بعدت فإن لم تكن له أم الأم بأن ماتت أو تزوجت بغیر محرم للصغير انتقل حق الحضانة لأم الأب وإن علت وهي أولي من الأخوات لأنها في الأمهات ولأنها أوفر شفقة للولادة، وهكذا علي ترتيب لاحظ فيه المشرع وفرة الشفقة وكمال العاطفة في الحاضنة رعاية لمصلحة الصغير صاحب الحق الأوفر في الحضانة ، وليس للرجال حق في حضانة الصغير في هذه المرحلة إلى السابعة من عمره متى وجد من النساء من تحتضنه ، ولا يحق لوالد الأطفال أن يحضنهم في هذا السن ولو كان غير متزوج ، كما أنه لا يلزم أم الأم أن تنتقل إلي مسكن الوالد مهما كان لتقوم بواجب الحضانة ، بل إن ذلك غير جائز شرعاً متى كانت أجنبية عنه و غیر محرم له فإذا لم توجد أم الأب بأن ماتت أو تزوجت بغير ذي محرم للصغير انتقل حق الحضانة للأخت الشقيقة ، والأخوات أولي من العمات والخالات لأنهن بنات الأبوين ولهذا قدمن في الميراث فإن ماتت أو تزوجت انتقل الحق لأخوات الأم ، فأخوات الأب ، فبنت الأخت الشقيقة ، فبنت الأخت لأم الصغير فالخالات ويكون ترتيبهن حسب الترتيب الخاص بالأخوات فبنت الأخت لأب فبنت الأخ بالترتيب المذكور فالعمات بالترتيب المذكور فخالات الأم فخالات الأب فعمات الأم ، فعمات الأب .
فجهة الأم مقدمة على جهة الأب .
أما بنات العم وبنات الخال وبنات العمة وبنات الخالة فلا حق لهن في الحضانة .
فإذا لم توجد حاضنة من النساء السابق ذكرهن أو وجدت ولكن ليست أهلاً للحضانة أو انقضت مدة حضانة النساء ففي هذه الحالة تنتقل الحضانة إلي عصبته من الرجال بحسب ترتيب الاستحقاق في الميراث مع مراعاة تقديم الجد الصحيح على الأخوة .
فيقدم الأب ، ثم أبو الأب وإن علا ثم الأخ الشقيق فالأخ لأب ، ثم ابن الأخ الشقيق ، ثم ابن الأخ لأب وكذا أبناء أبنائهم وإن سفلوا ثم العم الشقيق ثم العم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب بشرط أن يكون المحضون ذکراً فإن كانت أنثى فلا تدفع إلي أبناء العم لأنها ليست محرمة بالنسبة لهم .
فإذا لم يكن للصغيرة إلا أبناء الأعمام فالنظر في ذلك للقاضي فإن شاء دفعها إليهم وإلا دفعها عند امرأة أمينة.
كما أنه إذا كان للصغيرة عدة أخوة فإنها تدفع لأصلحهم ديناً وورعاً وهو أحق بها لأن ضمها إليه أنفع لأنها تتخلق بأخلاقه فإن تساووا فأكثرهم سناً أحق بها لأن حقه أسبق ثبوتاً .
فإذا لم يوجد أحد من هؤلاء انتقل الحق في الحضانة إلى محارم الصغير من الرجال غير العصبات على الترتيب التالي :
الجد لأم ثم الأخ لأم فابن الأخ لأم ثم العم ثم الخال الشقيق فالخال لأب ، فالخال لأم.
مدة الحضانة :
فمذهب الحنفية يرى بأن مدة الحضانة للصغير تنتهي إذا استغني عن الحضانة بأن يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده حتى إذا كان كذلك احتاج إلى التأدب والتخلق بآداب الرجال وأخلاقهم والأب أقدر على التأديب والتثقيف من الأم وسائر الحاضنات .
وقدر الخصاف الاستغناء بسبع سنين اعتباراً للغالب لأن الظاهر أن الصغير إذا بلغ السبع يهتدي بنفسه إلى الأكل والشرب واللبس فلا حاجة إلي الحضانة .
وقدر أبو بكر الرازي مدة الاستغتاء بتسع سنين .
أما بالنسبة للصغيرة حتي تحيض لأن بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء والمرأة على ذلك أقدر من غيرها وحد الشهوة أو أن تبلغ إحدي عشرة سنة وقيل تسع سنين .
وأما على ظاهر الرواية فالبنت تبقى عند أمها وجدتها حتى تحيض وذلك أنه بعد استغنائها بنفسها في الأكل والشرب واللبس تحتاج إلى معرفة آداب النساء والمرأة علي تلك أقدر من الرجل وأما بعد البلوغ فتحتاج إلى التحصن والحفظ والأب فيه أقوى وأهدى .
وأما غير الأم والجدة من الحاضنات فلهن حق الحصانة حتى تبلغ الصبية حد الشهوة أي تسع سنين اتفاقاً.
ولقد جرى التشريع المصري في نطاق أرجح الأقوال فى فقه المذهب الحنفي فحدد أقصي مدة حضانة النساء بتسع سنين قمرية وأقصاها للبنت إحدي عشرة سنة قمرية .. ثم استبدلت هذه المادة بالمادة ۲۰ من القانون رقم ۱۰۰ لسنة 1985 والتي نصت على انتهاء حق حضانة النساء ببلوغ الصغير سن العاشرة وبلوغ الصغيرة سن اثنتي عشرة سنة ، إذ أنه رئي تتبع المنازعات الدائرة في شأن الصغار تبين أن المصلحة تقتضي العمل على استقرارهم حتي يتوفر لهم الأمان والاطمئنان وتهدأ نفوسهم فلا ينزعجون بنزعهم من الحاضنات ومن أجل هذا ارتأى المشرع إنهاء حضانة النساء للصغير ببلوغ سن العاشرة وحضانتهن للصغيرة ببلوغها سن الثانية عشرة ثم أجاز للقاضي بعد هذا السن إبقاء الصغير في يد الحاضنة حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج أخذا بمذهب الإمام مالك في هذا الموضع على أنه في حال أبقائها في يد الحاضنة بهذا الاعتبار لا يكون للحاضنة الحق في اقتضاء أجرة حضانة وإنما لها الحق في نفقة المحضون الذاتية من طعام وكساء ومسكن وغير هذا من مصاريف تعلیم وعلاج وما يقضي به العرف في حدود يسار الأب أو من يقوم مقامه .
كما أن وجود الولد ذكراً كان أو أنثي في يد الحاضنة لا يغل يد والدهما عنهما ولا يحد من ولايته الشرعية عليهما فإن عليه مراعاة أحوالهما وتدبير أمورهما وولايته عليهما كاملة ، وأن يد الحاضنة للحفظ والتربية .
لكن المشرع لم يتوقف عند تحديد انتهاء من حضانة النساء المقررة بالقانون رقم ۱۰۰ لسنة 1985 ببلوغ الصغير سن العاشرة ، والصغيرة سن اثنتي عشرة سنة - بل جاء المشرع واستبدل الفقرة الأولي بالقانون رقم 4 لسنة 2005 وجعل انتهاء سن حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسة عشر ويجيز بقاء الصغير أو الصغيرة بعد البلوغ في يد الحاضنة حتى يبلغ سن الرشد وحتى تتزوج الصغيرة .
سبب اختلاف الذكر والأنثى في سن الحضانة : .
و السبب في ذلك يرجع إلي أن الصغير بعد بلوغه السبع سنين لا يحتاج إلي الأم بل بالعكس يحتاج إلي أبيه للتأديب بآداب الرجال والتخلق بأخلاقهم .
أما بالنسبة للصغيرة فإنها بعد هذا السن لا تزال تحتاج إلي أمها لتعلم فن الطبخ وغسل الثياب وما يخص النساء والأم علي ذلك أقدر من غيرها ، فإذا دفعت إلي الأب فإنها تبقى جاهلة بالشئون النسائية والأمور المنزلية لذلك فإن الأم كانت أحق بها حتى تبلغ حد الشهوة وبعد ذلك تحتاج إلي الصيانة والحفظ لأنها تكون عرضة للفتنة ومطبعة للرجال ، وللرجال من الغيرة ما ليس للنساء فيتمكن الأب من حفظها على وجه لا تتمكن الأم من ذلك .
أجرة الحاضنة :
ولما كانت الحاضنة تبذل مجهودا في شئون المحضون جاز لها استحقاق أجرة على ذلك ويختلف ذلك فيما إذا كانت الأم ، الحاضنة أما أو غير أم.
فإن كانت الحاضنة غير الأم تجب لها الأجرة مطلقاً سواء كانت متزوجة بأبيه او معتدة منه أولاً .
كذلك إن كانت الحاضنة أما للصغير ولم تكن متزوجة بأبيه ولا معتدة منه فلها الأجرة اتفاقاً .
أما إذا كانت متزوجة بأبيه أو معتدة منه من طلاق رجعي ، فإنه لا حق لها في أجرة الحضانة لقيام الزوجية حقيقة أو حكماً ، وذلك أن ما يعطى للأم في نظير الحضانة له شبه بالنفقة وشبه بالأجرة ، فحال قيام الزوجية ولو حكماً لوحظ فيه شبه بالنفقة لوجود رابطة الزوجية وبما أن النفقة ثابتة لها فلا داعي لأخذها نفقة أخرى لأن المقصود منها دفع حاجة المرأة وهي مدفوعة بنفقة الزوجية فإن كانت الحاضنة في عدة الطلاق البائن فقيل أنها لا تستحق الأجرة على الحضانة لاكتفائها بنفقة العدة .
وقيل أنها تستحق أجرة لأن رابطة الزوجية قد انقطعت أما إذا كانت غير معتدة له فلها الأجرة اتفاقاً مثل غيرها من الحاضنات. وأجرة الحضانة غير أجرة الرضاع وغير نفقة العدة وغير نفقة الولد .
وجميع أنواع النفقة واجبة علي أب الصغير إذا كان الولد فقيراً ، فإن كان غنياً أجرة رضاعه وحضانته واجبة في ماله ولا يلزم الأب بشئ منها، وإذا تبرع الوالد بدفع شئ من ذلك حال يسر ولده جاز ذلك وليس له أن يرجع على الولد بعد ذلك .
ولما كانت نفقة الصغير الفقير على أبيه ، والسكني نوع من أنواعها، فيجب على أبيه مسكن له ولحاضنته إن لم يكن لها مسكن تمسكه فيه ، وأما إذا كان لها مسكن فلا داعي إلي تكليفه بمسكن آخر .
رفض الأم حضانة الصغير:
حكم ما إذا امتنعت الأم الصغير عن تربيته إلا بأجرة فالأمر لا يخلو من أحد أمرين :
الأول : ألا توجد متبرعة ( تتبرع بحضانته ) من محارمه تتبرع بحضانته مجانا ففي تلك الحالة له أحوال أربعة :
1- أن يكون الأب موسرا والولد مصرا ففي هذه الحالة يلزم الأب بدفع الأجرة لها .
۲- أن يكون الصغير غنيا والأب فقيرا .
3- أن يكون كل من الصغير والأب موسرين فحكم هاتين الحالتين واحد وهو أن يلزم الأب بدفع الأجرة لها من مال الولد لأنه لا نفقة على الأب حال میسرة الابن .
4- أن يكونا فقيرين ( الولد ، الأب ) ففي هذه الحالة تجبر الأم علي حضانته وتكون أجرتها دين لها على الأب تأخذها منه عند الميسرة .
الثاني : أن توجد متبرعة من محارمه وهي أهل للحضانة فله أربع حالات أيضا :
1- أن يكون الأب والأبن فقيرين فإن الأم في هذه الحالة تخير بين إمساكه مجانا ، وبين أخذه منها وإعطائه للمتبرعة لتحضنه مجانا لأن الأب فقير فلا يضار .
۲- أن يكون الأب موسرا والولد فقيرا فإن الأم أولي بحضانته بأجر المثل لأن في تسليمه لها نفع له ولا ضرر على الأب في دفع الأجرة ليساره
٣- أن يكون الولد موسرا والأب فقيرا .
4- أن يكون كل من الولد وأبيه غنيا .
وقد اختلف فيهما فقال الإمام أبو حنيفة تخير الأم بين إمساكه مجانا وبين إعطائه للمتبرعة التي هي أهل الحضانة ، لأن الأجرة في هذين الأمرين لازمة من مال الصغير وهو ضرر عليه .
وقال الصاحبان يسلم لكم بأجر المثل ولو من مال الصغير لأن الأم أكثر الناس حنانا وشفقة على ولدها واصبرهم علي خدمته فهي التي تحافظ على صحته وتواظب على نظافته وتسهر لسهره كما هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها ومعلوم أن مصلحة الولد الصحية مقدمة علي مصلحته المالية وكل من القولين مصحح .
فينظر القاضي في ذلك فإن كانت الأم فقيرة محتاجة إلي الأجرة عمل بقول الصاحبين ، وإن علم أنها طامعة في مال ابنها مع أنها موسرة حكم بقول أبي حنيفة وإذا سلم للمتبرعة فلا تمنع الأم من رؤيته لقوله عليه الصلاة والسلام " لا تؤله والدة عن ولدها .
يخلص من كل ما سبق إذا كانت الحاضنة المتبرعة من محارمه أما إذا كانت أجنبية عنه فالأم أحق ( بولدها ) بحضانة ولدها ولها الأجرة ولو من مال الصغير اتفاقا .
حكم الصبي إذا بلغ :
إذا بلغ الصبي السن الذي يكون الأب أحق به کسبع مثلا أخذه الأب ولا يتوقف على اختيار الغلام.
وعند الشافعي يخير الغلام في سبع أو ثمان ، فإذا اختار أحدهما أي الأب أو الأم سلم إليه .
وقد استدل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا قاعد عنده فقالت يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عتبة وقد نفعني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، استهما عليه ، فقال زوجها من يحاقني في ولدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به .
ورد الحنفية على ذلك بوجهين أنه صلى الله عليه وسلم دعا أن يوفق لاختيار الأنظر - ثانيها أنه كان بالغا بدليل الاستقاء من بئر ابي عتبة ، وهم يقولون إذا بلغ فهو مخير بين أن ينفرد بالسكني وبين أن يكون عند أحدهما إلا أن يبلغ سفيها أو مفسدة فحينئذ يضمه إلى نفسه اعتبارا لنفسه وماله ولا نفقة له على الأب إلا أن يتطوع .
حكم الصغيرة بعد البلوغ :
فالبنت إذا بلغت بكراً ضمها أبوها إليه ، إلا إذا دخلت في السن وأجتمع لها رأي فلها أن تسكن حيث أحبت حيث لا خوف عليها .
وإن كانت ثيباً لا يضمها إلا إذا لم تكن مأمونة على نفسها ، فللأب والجد ولاية الضم لا لغيرهما .
وإن لم يكن لها أب ولا جد ولها أخ أو عم ته ضمها ، إن لم يكن مفسدا وكذا الحكم في كل عصبة ذي رحم محرم منها فإن لم يكن لها أحد من العصبات أو كان وهو مفسدا فالنظر فيها إلى الحاكم فإن كانت مأمونة خلاها تنفرد بالسكني وإلا وضعها عند أمينة قادرة على الحفظ بكرا كانت أو ثيبا .
سفر الحاضنة بالصغير :
هل للأم الحاضنة أن تخرج بولدها لبلد آخر ؟
فللأم ثلاثة أحوال :
الأولي : إن كانت الزوجية قائمة بين الأم الحاضنة وأب المحضون كان للزوج منعها من السفر والانتقال مطلقا ، لأن حق السكني بعد إيفائها معجل صداقها .
الثانية : إن كانت مطلقة ولم تنقض عدتها من الطلاق الرجعي أو البائن فليس لها الخروج من بيت الزوجية قبل انقضاء العدة حتى لو أذن لها المطلق بذلك محافظة على حق الشرع لأن القرار في البيت حق الشرع فلا يصح اتفاقهما على إبطاله .
الثالثة : إذا طلقت وقد انقضت عدتها وأرادت السفر بولدها في أثناء مدة الحضانة وأراد أبوه منعها من ذلك فهي علي التفصيل الآتي :
أولا : أن تسافر بالولد إلي وطنها وقد وقع العقد فيه في هذه الحالة ليس للأب منعها من السفر وإن بدت المسافة بين البلدين إلا أن يكون البلد الذي تريد الانتقال إليه الحاضنة دار حرب والزوج مسلم ، وإنما جاز لها السفر بدون إذنه لأنه التزم المقام في بلدها الذي عقد عليها فيه عرفا وشرعا قال عليه الصلاة والسلام " من تأهل ببلدة فهو منهم ".
ثانيا : أن تسافر إلى بلد ليس وطنها ولم يعقد عليها فيه أو تسافر إلي ما ليس وطنها وقد وقع العقد عليها فيه أو تسافر إلي وطنها ولم يقع العقد عليها فيه فالحكم في ذلك أنه ليس لها السفر وللأب منعها من ذلك.
إذا فلابد لجواز سفرها من الأمرين جميعا ، الوطن ووجود العقد فيه .
لكل ما سبق من المنع فيما إذا كان بين المصريين بعد وتفاوت بحيث لا يمكنه أن يرى ولده ثم يرجع في نهاره إلي داره بالسفر العادي فإن لم يكن بين المصريين بعد فلا تمنع لأنهما حينئذ في حكم بلد واحد .
وكذا الحكم إذا أرادت الانتقال من قرية إلى مصر لا بعد بينهما .
أما إذا شاءت الانتقال من مصر إلي قرية فإنها تمنع من ذلك ولو كانت القرية قريبة إلا إذا أذن الزوج ، خشية أن يتخلق الولد بأخلاق أهل القرى المجبولين على الجفاء ، لكن إذا أرادت الانتقال إلى قريتها التي عقد عليا فيها وهي وطن لها فإنها لا تمنع من ذلك .
أما في حالة ما إذا كانت الحاضنة غير الأم كالجدة والخالة ونحوهما من الحاضنات ، فهؤلاء لا يجوز لهن الانتقال بالولد المحضون عن البلدة التي بها أبوه بدون إذنه مطلقا ، لأن الذي برر انتقال الأم إلى وطنها عقد الزواج عليها فيه لأن رضاه بالعقد فيه رضا بالإقامة.
أما في حالة ما إذا كان الأب متوفى وهي في عدة الوفاة ففي هذه الحالة لا يجوز لها الخروج بدون إذن وليه الذي حل محل أبيه، أما بعد انقضاء عدتها فالبعض يرى للأولياء منعها ، والبعض يرى أنه يترك الأمر في هذه الحالة لاجتهاد القاضي ليري ما فيه مصلحة الصغير فإن كان من مصلحة الصغير عدم الانتقال منعها من السفر وإلا أجاز لها السفر .
حكم سفر الأب بالولد
إذا كان الولد في حضانة أمه ، فإن أباه يمنع من إخراجه من بلد أمه بدون رضاها سواء أكان المكان الذي يريد السفر إليه بعيدا أم قريبا يمكنه أن تبصره فيه ثم ترجع ، لأنها إذا كان لها الحضانة يمنع من أخذه منها فضلا عن إخراجه .
أما إذا سقطت حضانتها لتزوجها بعد انقضاء عدتها ولم يكن للصغير من ينتقل إليه حق حضانته بعد أمه كأم أمه أو غيرها من الحاضنات فللأب في هذه الحالة أن يأخذ ولده ويسافر به إلي أن يعود حق أمه ، فإذا عادلها حقها رجع .
رؤية الصغير:
لقد نظم القانون حق رؤية الصغير - بجعل لكل من الأبوين الحق في رؤية الصغير أو الصغيرة والأجداد مثل ذلك عند عدم وجود الأبوين ، فإن من بيده الطفل لا يكلف نقله إلى الطرف الآخر ليراه ولا تجبر علي إرساله إليه ، بل عليه فقط ألا يمنعه من الرؤية سواء بعدت المسافة أو قربت بين محل إقامة الحاضن الفعلي وبين محل إقامة الطرف الآخر الراغب في الرؤية، وهذا لا يمنع من اتفاقهما على غير ذلك ولكن لا يقضي بنقل المحضون إلي غير محل إقامة الحاضن بدون موافقته لأنه صاحب حق قائم دائم فعلا أما الزيارة والرؤية فأمر طارئ موقوت ومن ثم كان علي طالبها عبء الانتقال مالم يرض صاحب اليد على الولد لأن هذا الحكم مقرر لصالحه يجوز له النزول عنه هذا ما لم يكن في الانتقال إضرار بالمحضون فإنه عندئذ يجب علي القاضي رفض طلب النقل أو الزيارة لأن المناط هو رعاية مصلحة الولد والقاضي هو القيم عليها والرؤية لا تكون يوميا ، والذي ينبغي في ذلك الصدد أن تكون الزيارة يوما في كل عدد من الأيام فتكون يوما في كل أسبوع قياسا على خروج الزوجة لزيارة والديها في كل أسبوع مرة لان الزيارة الأولي زیارة الأصل لفرعه ، والزيارة الثانية زيارة الفرع لأصله ، فلا مانع من قياس الأولى على الثانية .
وكما لا يمنع الحاضن أيا كان نوعه - الأب أو الأم - من زيارة المحضون ، ولا يمنع المحضون من زيارة أبويه لان ذلك يؤدي إلى قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكل ذلك محظور شرعا .
وقد قال الشافعية والحنابلة تمنع البنت من زيارة أمها ، وأمها هي التي تزورها وذلك لتألف الصيانة وعدم الخروج ومحل ذلك إذا جاوزت البنت المرحلة الأولي .
وإذا تعذر تنظيم مواعيد الرؤية اتفاقا نظمها القاضى بشرط ألا تتم في مكان يضر بالصغير أو الصغيرة نفسيا كأقسام الشرطة .
وحق رؤية الأبوين للصغير أو الصغيرة مقرر شرعة لأنه من باب صلة الأرحام التي أمر الله بها {{ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ... }} .
ويمنع تنفيذ حكم الرؤية جبرا وبالقوة حتى لا يضر هذا بالأولاد ، فإذا أمتنع من بيده الولد عن تنفيذ حكم الرؤية بغير عذر أنذره القاضي ، فإن تكرر منه ذلك جاز للقاضي بحكم واجب النفاذ نقل الحضانة مؤقتا غلي من يلي هذا الممتنع عن تنفيذ حكم الرؤية من أصحاب الحق فيها لمدة يقدرها .
لكن الأمر لم يستطل كثيرة - وهو عدم تنفيذ حكم الرؤية قهرا - فجاء المشرع بعد سنوات من صدور القانون ۱۰۰ لسنة 1985 وتحت ضغط ونفوذ وسلطة المرأة في المجلس القومي للمرأة وحقوق الطفل ، بعد أن وصل نفوذها القوي إلى السلطة التشريعية وبايعاذ منها ، فصدر القانون رقم 1 لسنة ۲۰۰۰ بشأن تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية فنص المادة 65 منه على أن ( الأحكام والقرارات الصادرة بتسليم الصغير أو رؤيته أو بالنفقات أو الأجور أو المصروفات وما في حكمها تكون واجبة النفاذ بقوة القانون وبلا كفالة ). ونص المادة 66 على أن ( يجوز تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة بضم الصغير وحفظه وتسليمه جبرا ). ونص المادة 67 على أن ( ينفذ الحكم الصادر برؤية الصغير في أحد الأماكن التي يصدر بتحديدها قرار من وزير العدل بعد موافقة الشئون الاجتماعية وذلك ما لم يتفق الحاضن والصادر لصالحه الحكم على مكان آخر) ويشترط في جميع الأحوال أن يتوفر في المكان ما يشيع الطمأنينة في نفس الصغير .
وبناء علي ما جاء بالقانون سالف البيان فقد أصدر السيد وزير العدل القرار رقم ۱۰۸۷ لسنة ۲۰۰۰ بشأن تحديد أماكن تنفيذ الأحكام برؤية الصغير والإجراءات الخاصة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة بتسليم الصغير أو ضمه أو رؤيته أو سكناه ومن يناط به نلك ، المنشور في الجريدة الرسمية 7/ 3/ 2000 .
وقد نصت المادة 4 من القرار على أن ( في حالة عدم اتفاق الحاضن أو من بيده الصغير والصادر لصالحه الحكم على المكان الذي يتم فيه رؤية الصغير ، يكون للمحكمة أن تنتقي من الأماكن التالية مكانا للرؤية وفقا للحالة المعروضة عليها وبما يتناسب - قدر الإمكان - وظروف أطراف الخصومة ، مع مراعاة أن يتوافر في المكان ما يشيع الطمأنينة في نفس الصغير ولا يكبد أطراف الخصومة مشقة لا تحتمل :
1- أحد النوادي الرياضية أو الاجتماعية .
۲- أحد مراكز رعاية الشباب .
٣- إحدى دور رعاية الأمومة والطفولة التي يتوافر بها حدائق .
4- إحدى الحدائق العامة .
ونص المادة و علي أنه ( يجب ألا تقل مدة الرؤية عن ثلاث ساعات أسبوعيا فيما بين الساعة التاسعة صباحا والسابعة مساءا ، ويراعى قدر الإمكان أن يكون ذلك خلال العطلات الرسمية وبما لا يتعارض ومواعيد انتظام الصغير في دور التعليم . .
ونص المادة 6 - على أنه ( ينفذ الحكم الصادر برؤية الصغير في المكان والزمان المبين في الحكم ) .
ونص المادة 8 - على أنه ( يلتزم المسئول الإداري بالنوادي الرياضية أو الاجتماعية او بمراكز رعاية الشباب أو بدور رعاية الطفولة والأمومة التي يجري تنفيذ حكم الرؤية فيها ، وبناء على طلب أي أطراف السند التنفيذي أن يثبت في مذكرة يحررها حضور أو عدم عدم حضور المسئول عن تنفيذ حكم الرؤية وبيده الصغير ، ولمن حررت المذكرة بناء على طلبه أن يثبت مضمونها في محضر يحرر في قسم أو مركز الشرطة التابع له مكان التنفيذ ).
وتعقيبا على ما تقدم فبدلا من أن تكون خصوصية النزاع بين الأب والأم ( الحاضنة ) سرية لا يطلع عليها أحد من الناس ، إذ بالمشرع في المادة ۸ من القرار الوزاري سالف البيان أن أشرك آخرين في تنظيم الرؤية ، فأفساد بأنه على المسئولية المختص بإحدى النوادي الرياضية أو الاجتماعية أو غيرها بناء على طلب أحد الطرفين بأن يحرر مذكرة بكل ما يحدث بشأن حضوره أو عدم حضوره وعلى إثرها يقوم لمن حررت المذكرة بناء على طلبه أن يرفعها إلي أحد أقسام الشرطة أو المركز التابع له مكان التنفيذ .
يثبت مضمونها في محرر رسمي ، الأمر الذي يتناقض مع القاعدة العامة وأحكام الشريعة الإسلامية في سرية المنازعات بين الطرفين حتى لا تلوكها الألسنة من الناس .
فضلا عن هذا أنه يصعب الأمور ويزيد من المشاكل ويؤدي إلي تفكك أكثر مما هو عليه ، فبدلا من أن تكون جلسات الرؤية أداة التقارب بين الطرفين ، ووسيلة لتهدئة النفوس بما قد يؤدي إلى عودة الوئام بين الطرفين فتكتسي الأسرة ثوب المودة والرحمة فتعود الحياة الزوجية مرة أخرى ، إلا أن الطرفين يفاجئا بمن هو يتجسس عليهما ويتجسس خطوات أقدامهما .
أليس من مصلحة الصغير أن تتم الرؤية دون استعمال العنف والقوة المفرطة في تنفيذ القرارات أو الأحكام ، التي قد يتولد عنها ما لا يحمد عقباه من إصابة الصغير بعقد نفسية يصعب شفاؤها فتندم الأسرة بما حدث لوليدها وساعتها لا ينفع الندم .
والحق أري ما كان عليه القانون ۱۰۰ سنة 1985 من عدم تنفيذ حكم الرؤية جبرا وبالقوة حتى لا يضر هذا بالصغير .
والملاحظ لأي رجل قانون أو عادي يستبين له أن قانون الأحوال الشخصية هو القانون الوحيد المنفرد بالتعديل والتغيير من بين القوانين ، فصدر بشأن فقرتي تحديد سن حضانة النساء للصغير ، وتنفيذ حكم الرؤية عدة تعديلات فصدر القانون رقم 44 لسنة ۱۹۷۹ الذي حكم بعدم دستوريته ؛ والقانون رقم ۱۰۰ لسنة 1985 والقانون رقم 1 لسنة ۲۰۰۰ والقانونين رقمي ۱۰، ۱۱ سنة 2004 وأخيرا القانون رقم 4 لسنة 2005 بشأن مد حضانة النساء بدون أجر الصغير حتى يبلغ سن الرشد وتتزوج الصغيرة .
نفقة تعليم المحضون :
ونفقة تعليم الولد الصغير وإن كانت فرعا من نفقته على والده ، إلا أنه يجب تقديرها بقدر وسع الوالد وبما ليس فيه إعنات أو إحراج له باعتبار أنه الأقدر على تقدير ملاعمة نوع العلم ومكانه لولده واستعداده لتحصيله ، فإذا أنفقت الحاضنة على تعليم المحضون من مالها الخاص بما فيه إرهاق الوالد ، فإنه يتعين أستئذان الوالد قبل هذا الإنفاق ، ولا يعد مجرد سكوته علي إنفاقها في هذا المجال قبولا منه بتحمل هذه النفقات .
كما أنه لا يتعين علي الحاضنة مطالبة والد المحضون بنفقات خاصة بتعليم المحضون في مدارس خاصة طالما أنه لم تكن هناك حاجة لهذا الوجه من الإنفاق إزاء وجود مدارس حكومية بالمجان أو نفقات بسيطة لا ترهق والد المحضون وبها تنسد حاجة المحضون إلي التعليم . (الموسوعة الشاملة في شرح قانون الأحوال الشخصية والأسرة ، للمستشار/ سيد عبد الرحيم الشيمي ، طبعة 2018 / حيدر جروب للأصدارات القانونية ، الصفحة : 51).
التبرع بالحضانة (حدودها وشروطها)
ويشترط فى المتبرعة أن تكون من المحارم وأن تكون أهلاً للحاضنة وألا توجد متبرعة أخرى أولى منها بالحضانة وأما الأجنبية فلا يلتفت إلى تبرعها .
قيام الزوجية لا يمنع ثبوت استحقاق الحضانة للأم
وإذا كان مصدر حضانة الأم للصغـير هى الأمومة وليس الزوجية فإن الأم تكون أحق بحضانة الصغير سواء كانت الزوجية قائمة مع والده أو بعد وقوع الطلاق بينهما طالما توافرت الصلاحية للأم ولم ينهض فى حقها سبباً مسقطاً للحضانة عنها ، وعلى ذلك فإن استمرار الزوجية أو انفصامها بين والدى الصغير لا أثر له فى ثبوت حق الأم فى حضانته إذا ما شجر نزاع بشأنها .
حق الحاضنة في المطالبة بالحضانة بعد تنازلها عنها
وإسقاط الحاضنة لحقها فى الحضانة لا يلزمها على سبيل التأبيد فلتلك العودة للمطالبة بحقها فى الحضانة بعد إسقاطها لهذا الحق متى شاءت طالما كانت صالحة لها شرعاً وكذا الأب فأنه يجبر على الحضانة أيضاً إذا رفضها شريطة إلا يكون للصغير عاصب غيره وعلى ذلك فإذا تصالحت الحاضنة والأب على أن تترك لـه الصغير أو على إبقائه فى يد الأب ما بعد سن الحضانة كان هذا الصلح غير ملزم لأيهما ويكون من حقها أن تطلب ضم الصغير إليها ويكون من حق الأب أن ينتزعه منها عند بلوغه سن الحضانة تغليبا فى كل ذلك لحق المحضون .
سلطة النيابة العامة في تسليم المحضون للحاضنة " نص مستحدث"
وإذا كان الصغير فى سن حضانة النساء وانتزع منها سواء بإرادتها أو بغير إرادتها كان لها أن تلجا إلى النيابة العامة للحصول على قرار منها بتسليم المحضون إليها إعمالاً لحكم (المادة 70 من القانون رقم 1 لسنة 2000) بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية ويشترط لصحة صدور القرار أن يصدره عضو نيابة بدرجة رئيس نيابة على الأقل ، كما يشترط أن يكون القرار مسبباً وأن يكون الصغير فى سن حضانة النساء أى لم يتجاوز العاشرة من عمر الذكر والثانية عشرة للأنثى محتسبة بالتقويم الهجرى وأن تكون المنازعة بشأن تحديد صاحب الحق فى الحضانة دون غير ذلك من المنازعات المتعلقة بالصغير وأن يسبق صدور القرار تحقيق تقوم به النيابة العامة ، إلا أن صياغة النص تفيد بجواز أن يكون ذلك التحقيق مختصراً "مناسباً" ولا يقتصر الحق فى اللجوء إلى النيابة فى هذه الحالة على من يحق لها حضانة الصغير من النساء من دون الرجال وإنما يجوز لأى ذى شأن التقدم إلى النيابة العامة سواء كان من الرجال أو ممن يترجح أن تكون صاحبة الحق فى الحضانة من النساء ولا يشترط لجواز التقدم بالطلب إلى النيابة العامة سبق وجود دعوى حضانة منظورة أمام القضاء ، ويسقط القرار الصادر من النيابة بهذا الخصوص بصدور حكم قضائى نهائى بتحديد صاحب الحق فى حضانة الصغير ، وقد تضمنت المادة النص على صيرورة قرار النيابة الصادر فى هذا الشأن ناقدا فوراً ، أما التظلم من قرار النيابة الصادر فأنه يخضع لقواعد التظلم المنصوص عليها فى التعليمات العامة للنيابة وهو فى هذه الحالة المحامى العام الأول لنيابة الاستئناف التى تجرى المنازعة فى دائرتها ثم مكتب النائب العام عملاً بالبند الثالث من الكتاب الدورى رقم 6 الصادر عن مكتب النائب العام فى 13/5/2000 .
أثر زواج الحاضنة من أجنبي عن الصغير على ثبوت الحق في الحضانة
وكما أن زواج الحاضنة من أجنبي عن الصغير مسقطاً – بحسب الأصل – لحقها فى الحضانة إعمالا لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لمن اشتكت إليه رغبة مطلقها في نزاع إبنها منها " أنت أحق به ما لم تنكحي أما لو تزوجت من قريب محرم للصغير كعمه مثلا فلا يعد هنا الزواج مسقطاً لحضانتها له لانتفاء علة البغض ، إلا أن زواج الحاضنة من أجنبى عن الصغير وإن كان مسقطاً لحضانتها له إلا أنه لا يسقط على سبيل التلازم يدها عليه فيكون للقاضى إبقاء الصغير فى يدها رغم زواجها وتكون يدها فى هذه الحالة يد حفظ وليست يد حضانة ولا تستحق بالتالى أجر حضانة .
وعلى ذلك يعتبر زواج الحاضنة من أجنبي غير محرم عن الصغير ضررا مفترضا له بما يستوجب نقل حضانته إلى من يلي الحاضنة المتزوجة من النساء أصحاب الحق في الحضانة وفق الترتيب المنصوص عليه في المادة، ومن ثم يتعين على القاضي النظر أولا في مدى صلاحية الحاضنة التالية للحضانة فإذا توافرت فيها شروط الحضانة وجب نقل الحضانة إليها إلا إذا أثبتت عدم صلاحية الحاضنة التالية لأسباب جسيمة تعد أشد خطرا على الصغير في حال نقل الحضانة إليها من بقاءه في حضانة الحاضنة المتزوجة حتى يتعين في هذه الحالة - كمرحلة ثانية - إبقاء الصغير في يدها.
أثر زواج الأبوين في تحديد شخص الحاضن
وإذا تزوج الأبوان كل منهما من أجنبى عن الصغير تعين ضمه إلى حاضنة من النساء غير أمه فإن لم يوجد يعتمد ضمه إلى أمه رغم زواجها من أجنبى أفضل من تركة لزوجة أبيه إعمالاً لقاعدة اتقاء أشد الإضرار بارتكاب أخفها , وهو أمر يخضع لتقرير قاضى الموضوع الذى يتعين عليه مراعاة ما إذا كان الصغير ذكر أو أنثى .
إتحاد الدين بين الحاضنة والمحضونة
ولا يشترط فى الحاضنة من النساء اتحادها فى الدين مع المحضون فالأم الذمية مثلاً أحق بحضانة ولدها المسلم وإن كانت كتابية إلا إذا تبين أن فى حضانتها له خطرا على دينه أو بلغ السن التى يعقل فيها الأديان – وهى سبع سنين – فأنه ينزع منها ذكرا أو أنثى .
عودة الحضانة لصاحب الحق فيها بعد سقوطها
فإذا تخلف فى الحاضنة أى شرط من الشروط السابقة سقطت عنها حضانة الصغير إلا أن هذا الحق يعود إليها إذا عادت إليها الشروط وعلى ذلك فإذا تزوجت الأم من أجنبى عن الصغير وسقطت عنها الحضانة بالزواج فإن حقها فى حضانة الصغير يعود إليها إذا ما طلقت من الزوج الأجنبى .
والحكم الصادر بإسقاط الحضانة يحوز حجية الأمر المقضى بما لا يجوز لحكم آخر مخالفته إلا إذا توافرت أسباب جديدة تبرر الخروج على حجية الحكم الأول .
حضانة الرجال
وأما حضانة الرجال فتكون إذا لم توجد حاضنة من النساء أو وجدت ولم تكن أهلاً للحضانة أو كانت أهلاً لها ولكن انتهت مدة حضانة النساء .مع ملاحظة عدم جواز تكليف من يتقدم بطلب للحضانة من
أصحاب الحق فيها سواء من الرجال أو النساء بإثبات عدم وجود أي من أصحاب الحق فيها السابقين عليه في ترتيب أصحاب الحق في الحضانة حتى يقضي له بها حيث يتسنى لمن يكون له حق ثابت فيها وسابق في الترتيب على من قضي له بها إقامة الدعوى وإثبات استحقاقه ونقل الحضانة إليه.
أصحاب الحق في الحضانة من الرجال
وحق حضانة الرجل يثبت لمحارم الصغير منهم فيقدم الأب ثم أب الأب وإن علا ثم الأخ الشقيق فالأخ لأب فأبن الأخ الشقيق فأبن الأخ لأب فالعم الشقيق فالعم لأب ثم عم الأب الشقيق فعم الأب لأب فأبن العم الشقيق فأبن العم لأب .
فإذا لم يوجد أحداً ممن تقدم أو وجد إلا أنه لم يتوافر فيه شروط الحضانة انتقلت الحضانة إلى محارم الصغير من الرجال غير العصبات بدأ بالجد لأم فالأخ لأم فأبن الأخ لأم فالعم لأم فالخال الشقيق فالخال لأب فالخال لأم .
حق الحاضنة في طلب التخلي عن المحضون وضم المحضون لأبيه
وإذا لم يطلب الحاضن ضم الصغير فللحاضنة رفع الدعوى بطلب ضم الصغير وتسليمه إلى الحاضن من الرجال الواجب عليه الحضانة حيث يلزمه الحكم بضم الصغير إليه .
الشروط الواجب توافرها في الحاضن من الرجال
ويشترط فى الحاضن من الرجال أربعة شروط :
1-أن يكون قادراً على تربية الصغير بأن يكون سليماً صحياً .
2-أن يكون أميناً على الصغير لا يشتهر عنه الفسوق ، فالعاصب المفسد كالحاضنة المفسدة يسقط حقه فى ضم الصغير وحفظه .
3-أن يكون متحدا والمحضون فى الدين وذلك إعمالاً لقاعدة "ألا ولاية لغير المسلم على المسلم" .
4-أن يكون ذي رحم محرم للمحضون إذا كان المحضون أنثى .
فإذا تخلف فى الحاضن أى من هذه الشروط سقطت عنه الحضانة وانتقل الحق منه إلى من يليه فى الترتيب .
والأصل أن زواج الأب من غير أم المحضون لا يسقط – على خلاف الوضع بالنسبة لزواج الأم – حقه فى حضانته شرعاً ولكن يجوز أن يبقى الصغير فى يد ألأم رغم زواجها من أجنبى عنه إذا اقتضت مصلحته ذلك اتقاء لأشد الإضرار بارتكاب أخفها ويخضع الأمر فى ذلك لتقدير قاضى الموضوع .
عدم جواز الخروج على ترتيب أصحاب الحق في الحضانة الوارد بالنص وترتيب المشرع لأصحاب الحق فى الحضانة ملزم ولا يجوز الاتفاق على مخالفته كما لا يجوز القضاء بغيره .
فإذا توافرت أسباب إسقاط الحضانة عن إحدى الحاضنات المنصوص عليهن بترتيب المادة محل التعليق أصبح الحق في الحضانة لمن تليها في الترتيب، فإذا خلت أقوال الخصوم أو أوراق الدعوى من دلیل على وجود الحاضنة التالية في الترتيب انتقل الحق في الحضانة إلى الرجال بالترتيب الوارد بالنص.
الآثار المالية للحكم بانتقال الحضانة
والحضانة لا تنتقل من حاضن إلى آخر - ذكورا أو إناثا - عند المنازعات إلا بحكم قضائى حيث يتعين ثبوت اليد المستقرة للحاضنة التالية على الصغير، ومؤدى ذلك أنه إذا تزوجت أم الصغير مثلا وسلمته إلى أمها "أم الأم" فإن الأم الأم المطالبة بنفقة الصغير باعتبارها ذات يد عليه إلا أنها لا تستطيع المطالبة بأجر حضانة لها أو انتقال المفروض كأجر حضانة إليها إلا بعد الحصول على حكم قضائي بانتقال حضانة الصغير إليها أي بعد أن تثبت لها الصفة كحاضنة وحتى لا يكون طلبها غير مقبول لرفعه قبل الأوان ، ويتعين الإشارة إلى أن التقرير الصادر عن مكاتب تسوية المنازعات الأسرية والمتضمن اتفاق الخصوم على نقل الحضانة وفقا لحكم المادة الثامنة من القانون رقم 10 لسنة 2004 يتمتع بحجية الشيء المقضي به في حدود ما تم التصالح عليه حيث تنتقل الحضانة بمقتضاه ويصلح بالتبع سندا للحاضنة التالية في المطالبة بأجر الحضانة.
أما في حالة عدم المنازعة فإن الحضانة تنتقل من حاضنة إلى أخرى بثبوت اليد المستقرة للحاضنة التالية على الصغير بكافة طرق الإثبات - ومنها المشاهدة من المحكمة - بما ينشأ معه حق الحاضنة التالية في المطالبة بنفقة الصغير وأجر حضانتها له اعتبارا من تاريخ بدء يدها عليه. إلا أن انتهاء حضانة النساء لبلوغ المحضون سن الحضانة المقرر قانونا يثبت بمجرد بلوغ الصغير السن المنصوص عليه دون حاجة لصدور حكم قضائي بذلك، إلا أنه لا يجوز للأب طلب كف يد الحاضنة عن تقاضي النفقة المستحقة للصغير إلا بثبوت يده عليه وبصرف النظر عن بلوغ الصغير لأقصى سن الحضانة النساء.
تنفيذ الحكم بنقل الحضانة
وعموم نص المادة 65 من القانون رقم 1 لسنة ۲۰۰۰ يدل على سريانه بشأن تنفيذ الحكم بنقل الحضانة سواء كان يتم لصالح أم الصغير أو للغير، وإذا كان الحكم الصادر يترتب عليه تسليم الصغير - ذكرا أو أنثى - يكون مشمولا بالنفاذ المعجل واجب التنفيذ بمجرد صدوره ولو كان قابلا للطعن عليه بطرق الطعن المقررة عملا بالمادة 65 من القانون رقم 1 لسنة 2000 .
شمول الحكم بنقل الحضانة بالنفاذ المعجل
وينفذ الحكم الصادر بنقل الحضانة – فى كافة الأحوال – قهرا ولو أدى إلى استخدام القوة ودخول المنازل عملاً بالمادة 66 من القانون رقم 1 لسنة 2000 وذلك تحت إشراف قاضى التنفيذ المختص .
جواز إعادة تنفيذ الحكم بنقل الحضانة
ويعاد تنفيذ الحكم الصادر بتسليم الصغير عملاً بالفقرة الأخيرة من المادة (66) من القانون رقم 1 لسنة 2000 أى تكرار التنفيذ لأكثر من مرة كما لو هرب المحضون من والده .
تقادم الحق في الحضانة
ويتعين الإشارة إلى أن الحق فى المطالبة بضم الصغير إلى حضانة من له الحق فى ذلك لا يسقط بالتقادم لأن الشريعة الإسلامية لا تأخذ بنظرية تقادم الحقوق ولأن الحق فى الحضانة ليس هـو حـق الحاضن وحده وإنما يشمل حق الصغير أيضاً فإذا جاز للحاضن إسقاط حقه بقى حق المحضون الذى ليس للأول التنازل عنه .
و من الأحكام التى صدرت فى شأن الحضانة الحكم رقم 557 لسنة 1983 كلى جنوب القاهرة بهيئة استئناف بجلسة 17/1/1985 وفيه أسقطت المحكمة الحضانة عن الأم لاحترافها وفيه تقول المحكمة " ولما كان ما تقدم وكان الثابت لهذه المحكمة من إطلاعها على ورقات الدعوى الماثلة وما قدم من مستنداًت وما استبان لهذه المحكمة من مناقشة البنت "……." فيها أن البنت المذكورة من مواليد 14/6/1971 ومن ثم تكون قد بلغت أقصى سن الحضانة المقررة قانوناً وأن والدتها – المستأنف عليها – محترفة العمل كمساعدة طبيب بعيادة خاصة يجعلها تترك منزلها وابنتها المذكورة طوال النهار ولوقت متأخر من الليل وأنها بذلك منصرفة عن شئون البنت المذكورة من حيث ترتيبها التربية الحسنة وتقويمها ورعايتها على النحو الذى تقتضيه مصلحتها ومنفعتها كما وأنها تسئ معاملتها وتهملها وأن والدها المستأنف يحسن معاملتها ويرعى شئونها ومن ثم فإن المستأنف عليها – بهذه المثابة – لا تكون أهلاً لحضانة البنت المذكورة لفقدها أهم شرط من الشروط الواجب توافرها فى الحاضنة ألا وهو شرط القدرة على تربية الصغيرة وعدم إمساكها فى بيت المبغضين لها بالإضافة إلى ذلك أن الصغيرة قد أصبحت فى سن تستغنى فيه عن خدمة النساء الأمر الذى ترى معه هذه المحكمة – خلوصا من كل ما تقدم – القضاء ينزع الصغيرة "………" من حضانة والدتها المستأنف ضدها وضمها إلى حضانة أبيها – المستأنف .
ولا يشترط فى الحكم بتسليم الصغير لمن صدر الحكم بضمه إليه أن يتضمن النص فى منطوقه على وجوب التسليم باعتبار أن التسليم يعد أثراً مترتباً على الحكم بإسقاط الحضانة أو بضم الصغير لمن له الحق فى حضانته شرعاً .
وقت انتهاء حضانة النساء
ويبتدئ زمن حضانة النساء للصغير من حين الولادة وإلى أن يبلغ الذكر سن العاشرة من عمره والصغيرة اثنتى عشر سنة هجرية ، وانتهاء حضانة النساء فى هذه الحالة لا يحتاج إلى قضاء ينشئه وإنما يقرره القانون ويكون للأب أو صاحب الحق فى الحضانة طلبه من الحاضنة لأن يدها بعد هذه السن تنقلب إلى يد حفظ . فإذا امتنعت كان له أن يرفع الأمر إلى القضاء بدعوى ضم الصغير إليه إلا أنه لا يجوز للأب فى هذه الحالة استخدام الآلية المنصوص عليها فى المادة 70 من القانون رقم 1 لسنة 2000 واللجوء إلى النيابة لاستصدار قرار بتسليم الصغير إليه حيث يقتصر الحق فى استخدام تلك الآلية على النساء دون الرجال فى مثل هذه الحالة .
تخيير الصغير فيمن يرغب الإقامة معه
وقد أوجب التعديل الذى أدخل على النص بالقانون رقم 4 لسنة 2005 على قاضى الموضوع تخيير الصغير البالغ للخامسة عشرة من العمر البقاء فى يد الحاضة بالنسبة للذكور إلى أن يبلغ الرشد (أى الحادى والعشرين من العمر وإلى أن تتزوج الأنثى) ويسرى ذلك الوجوب سواء كانت الحاضنة هى الأم أو غيرها لأن النص لم يقصر وجوب التخيير على حضانة الأم وحدها .
أحكام تخيير الصغير وأحواله
إلا أن التخـيير يقتصـر على حالـة نزع الصغير مـن يـد الحاضنات من النساء دون أصحاب الحق فى الحضانة من الذكور لكون المشرع قد استخدم لفظ التأنيث فى النص .
لا يجوز حفظ الصغير لدى الحاضنة إلا بحكم قضائي، وعلى ذلك فإن تمديد بقاء الصغير فى يد الحاضنة بعد بلوغه سن حضانة النساء لا يتقرر إلا بحكم القاضى وهو ما يترتب عليه القول أن ترك الأب لصغاره فى يد الحاضنة بعد بلوغهم أقصى سن حضانة النساء لايسقط وجوب تخيير الصغير البالغ للخامسة عشرة فى حالة طلب الأب ضمه قانوناً.
حدود التزام المحكمة باختيار الصغير
ولقد أوجب المشرع بمقتضى التعديل الذى أدخل الفقرة الأولى من المادة محل التعليق بالقانون رقم 4 لسنة 2005 على قاضى الموضوع – كما تقدم القول – تخيير المحضون ذكراً كان أو أنثى بلوغة الخامسة عشرة من العمر فى البقاء فى يد الحاضنة أو الانتقال إلى يد أبيه فإن اختار البقاء فى يد الحاضنة وجب أجابته إلى طلبه إلا إذا ثبت للمحكمة أن اختيار الصغير قد يترتب عليه إصابته بضرر ما ففى هذه الحالة – نرى – أنه لا محل لالتزام المحكمة باختياره , إعمالاً لقـاعدة إعـلاء المصلحة الفضلى للصغير المنصوص عليها فى المادة (10/2) من القانون رقم 10 لسنة 2004، ويتعين على المحكمة في رأينا – القضاء بتسليم الصغير على على من تتحقق معه مصلحته الفضلي على سبيل الحفظ فإن لم يوجد قضت المحكمة – في رأينا – برفض دعوى الحاضنة إبقاء الصغير في يدها أو دعوى الأب بضم الصغير إليه والوقوف عند هذا الحد.
وعلى ذلك فإذا كانت الحضانة قد سقطت عن الحاضنة لسبب من أسباب السقوط وترتب على ذلك – لعدم وجود حاضنة من النساء – ضم الصغير إلى حاضن من الرجال فلا يجوز تخيير الصغير عند بلوغه للخامسة عشرة البقاء فى يد حاضنة أو العودة إلى حضانة النساء باعتبار أن مدار مناط التخيير هو بلوغ المحضون للسن حال وجوده فى يد النساء وهو مالا يتوافر فى هذا الفرض مع مراعاة أن مناط إنفاذ اختيار المحضون – فى رأينا – هو مصلحته التى يختص بتقديرها قاضى الموضوع .على نحو ما سلف
وعلى ذلك يمكن القول أنه وإن كان تخيير الصغير أمراً وجوبياً على المحكمة القيام به متى بلغ المحضون الخامسة عشرة من عمره إلا أن الأخذ بما أختاره المحضون من بقاء فى يد الحاضنة يخضع لتقدير قاضى الموضوع فإن رأى أن فى إبقاء المحضون فى يد الحاضنة وفق اختياره ينطوى على ضرر يصيبه كان للمحكمة الحكم برفض طلب الحاضنة إبقاء الصغير فى يدها خاصة وان للصغير ببلوغ هذه السن الانفراد بالإقامة وحده رغم اختياره البقاء فى يدها شريطة أن يتضمن الحكم الأسباب التى دعت المحكمة إلى رفض اختيار المحضون استناداً إلى وجوب تغليب مصلحة الصغير إذا ما تعارضت مع مصلحة الحاضنة ومصلحة الأب إعمالاً لقاعدة تغليب المصلحة الفضلى للصغير وفق نص المادة 10 المستحدثة بالقانون رقم 10 لسنة 2004 .
ويشترط لتخيير المحضون أن يكون أهلاً للاختيار فإذا كان مجنوناً أو معتوهاً فلا وجه لتخييره وطبقت القواعد العامة .
ويكفى أن يتم تخيير المحضون أمام محكمة أول درجة إلا أن لمحكمة الاستئناف القيام بالتخيير إذا تخلفت محكمة أول درجة عن القيام بالإجراء .
أثر التخلف عن تخيير الصغير
إلا أن خلو الحكم من قيام المحكمة بالتخيير مما يبطله إلا أنه بطلان يتعين على الحاضنة أو الصغير الدفع به .
حفظ الصغير ومسكن الحضانة
وبقاء الصغير فى يد الحاضنة بعد بلوغه أقصى السن المقررة لا تتقاضى عنه الحاضنة أجر حضانة حيث تكون يد الحاضنة فى هذه الحالة يد حفظ وليست يد حضانة مما يسقط معه عن الحاضنة فى تلك الحالة هذه الصفة فلا تستحق – من ثم – أجر الحضانة .
كما أن بقاء الصغير أو الصغيرة فى يد الحاضنة بعد بلوغه أقصى السن المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من المادة (الخامسة عشرة للذكر والأنثى) لا تعطى الحاضنة الحق فى استمرار الاستقلال بمسكن الحضانة بعد هذه السن حيث تكون يد الحاضنة على الصغير بعد تلك السن يد حفظ وليست يد حضانة كما تقدم القول .
والإذن ببقاء الصغار بعد سن الحضانة قاصر – كما تقدم القول - فى حالة أن يكون الصغير فى يد حاضنة من النساء ابتداء أما إذا كان فى يد حاضن من الرجال فلا يجوز للقاضى تخييز الصغير بعد تجازوه الخامسة عشرة .
احتساب عمر الصغير بالتقويم الهجري
وسن الحضانة الوارد بالنص يحتسب بالتقويم الهجرى وليس بالتقويم الميلادى ويمكن احتساب سن الصغير بطريقة مبسطة تقريبية تتحصل فى أنه إذا كان الثابت فى شهادة ميلاد الصغير أن سنة ثمانى سنوات ميلادية فأنه لحساب عمره بالتقويم الهجرى تضاف أحد عشر يوماً لكل سنة ميلادية . فيكون المجموع 88 يوماً تراعى فى حساب السن بما مفاده أنه إذا ادعى المدعى أن الصغير قد بلغ العاشرة من عمره يضحى وقد بلغ العاشرة إلا مائة وعشرة أيام هجرية باحتساب أحد عشر يوماً تضاف على كل سنة ميلادية أى يكـون فى مثـل هذا المثال قد بلغ عشر سنوات وشهرين و 28 يوم وهكذا .
ويتعين الإشارة إلى خروج احتساب سن الحضانة بالتقويم الهجرى عن نطاق إعمال حكم المادتين 1 و2 المستحدثين بالقانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم إجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية حيث تنص المادة الأول منه على احتساب المدد والمواعيد الإجرائية المنصوص عليها فى القانون المذكور بالتقويم الميلادى مما مفاده أن النص إنما ينصرف إلى المدد والمواعيد الإجرائية كمواعيد المرافعات من طعن وسقوط و انقضاء وغيرها وهو ما يخرج عن طبيعة المدة التى يحتسب بها سن الحضانة، كما يخرج احتساب سن الحضانة بالتقويم الهجرى عن نطاق إعمال حكم المادة الثانية من القانون 1/2000 حيث اقتصر نص المادة المذكورة على النص على احتساب السن المتعلق بأهلية التقاضى دون غيره بالتقويم الميلادى باعتبار أن تلك السن مما يتعلق بإجراءات التقاضى لاتصاله بشرط أهلية التقاضى باعتباره من شروط صحة إجراءات الخصومة .
مدى التزام المحكمة بتحديد مدة الحفظ
ولا يجب على القاضى إذا اختار الصغير البقاء فى يد الحاضنة بعد السن المنصوص عليها أن يحدد مدة الإبقاء لأن ذلك يرتبط بمصلحة الصغير التى قد تتغير فى أى وقت إلا أن له أيضاً الحكم بإبقاء الصغير إلى أن يبلغ سن الرشد وإلى أن تتزوج الأنثى .
أنواع الولاية على الصغير وعلاقتها بالحضانة
وتعرف الولاية بأنها إنفاذ القول على الغير شاء هذا الغير أو أبى , وتنقسم الولاية إلى نوعين , ولاية على النفس وولاية على المال وأياً من الولايتين تنقسم إلى ولاية ذاتية وولاية متعدية , والولاية الذاتية هى ولاية الشخص على ذاته نفساً ومالاً , والولاية المتعدية هى ولايته على غيره نفساً أو مالاً أيضاً .
فالأصل أن يكون للشخص فى شأن نفسه ولاية ذاتية تنقسم إلى نوعين أولهما هى ولايته على نفسه وثانيهما هى ولايته على أمواله ، والأولى تتعلق بحق الشخص فى المأكل والملبس والتعليم والتأديب والحفظ والتزوج والثانية تتعلق بحقه فى التصرف فى أمواله وأن الصغير ومن فى حكمه (كالمجنون والمعتوه و المفقود ….. الخ راشد بالسن أو غير راشد) يخضع لولاية الغير عليه فى نفسه وماله ، وهو ما يسمى بالولاية المتعدية "– التى تتعدى الشخص إلى غيره – فى مقابلة "الولاية الذاتية" – وتنقسم أيضاً إلى ولاية على نفس الغير وولاية على مال الغير , وأن سن الرشد فيما يتعلق بولاية الغير على نفس الصغير هى بلوغ الصغير الخامسة عشر من عمره محتسبة بالتقويم الميلادى إعمالاً لحكم المادة الثانية من القانون رقم 1 لسنة 2000 وشريطة أن يكون متمتعا بقواه العقلية وأن سن الرشد فيما يتعلق بولاية الغير على أموال الصغير هى بلوغ الصغير إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة طبقاً للمادة 18 من القـانون رقـم 119 لسنة 1952 والمادة 44/2 من القانـون المدنى وإذا كان المقرر فى المادة الثانية من القانون رقم 1 لسـنة 2000 أنه إذا بلغ الشخص الخامـسة عشـرة من عمـره ذكـراً كان أو أنثى عاقـلاً كان لـه أن يخاصـم ويختصـم بشخصه فيما يتعلق بشئون نفسه مما مفاده زوال الولاية عن نفسه - دون شئون أمواله التى يظـل خاضعاً فيها لولاية ولى المال إلى أن يبلغ الحادية والعشرين من عمره ، وعلى ذلك فإن الصغير البالغ للخامسة عشرة ميلادية من عمره ومتمتعا بقواه العقلية يكون صالحاً لأن يقيم الدعوى بشخصة للمطالبة بشئون نفسه كطلبه للنفقة من الملتزم بها أو مصروفات تعليمه وهكذا ، كما أنه يكون صالحا لإقامة الدعوى عليه بشخصه فيما يتعلق بمثل تلك الأمور كدعوى كف يده عن اقتضاء النفقة المقضى بها لصالحه أو ما سبق أن قضى لـه به من مصروفات تعليم مثلاً ، إلا أنه لا يكون صالحا لأن يقيم الدعوى أو تقام ضده الدعاوى فيما يتعلق بشئون أمواله كدعواه بصحة ونفاذ عقد بيع اشترى بموجبه أو دعوى الغير ضده بإلزامه بتسليم المبيع وإنما يتعين أن يمثله فى تلك الخصومات المتعلقة بالأمور المالـية صاحب الولاية عليه سواء كان أبيه أو وصى أو قيم وهكـذا وذلك فى الحـدود وفقاً للضـوابط المنصوص عليها فى قانون الولاية على المال رقم 119 لسنة 1952 ، فإذا أقيمت الدعوى من أو ضد الصغير غير البالغ للخامسة عشرة فى أمر من أمور الولاية على النفس أو من أو ضد الصغير غير بالغ الحادية والعشرين فى أمر من أمور الولاية على المال قضت المحكمة ببطلان إجراءات الخصومة وليس بعدم قبولها باعتبار أن الأهلية ليست شرطاً من شروط قبول الدعوى وإنما شرط لصحة إجراءات الخصومة .
وبعبارة أخرى فإن مناط الأهلية هو ثبوت الشخصية القانونية للخصم، وهى بهذه المثابة ليست شرطاً لقبول الدعوى وإنما هى شرط لصحة إجراءاتها ، فإذا كان من باشر الدعوى أو من بوشرت ضده ليست لديه أهلية التقاضى كانت الدعوى مقبولة ولكن إجراءات الخصومة فيها تكون باطلة والدفع يكون بالبطلان وليس بالانعدام ، وبطلان إجراءات الخصومة لنقص أهلية أحد أطرافها هو مما يقع بحكم القانون إلا أنه بطلان نسبى مقرر لمن شرع البطلان لحمايته فيصحح بنزوله عنه صراحة أو ضمنا ، كما يسقط الحق فى التمسك به إذا لم يبده الطاعن فى صحيفة طعنه عملاً بنص المادة 108 مرافعات ، ولا يكون لمن نزل عنه أو سقط حقه فى التمسك به أن يعود للتمسك به ، كما لا يكون للمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها .
واتصالا بما تقدم فإن الصغير الذى لم يبلغ سن المخاصمة القضائية (خمسة عشر عاما ميلادية) فيما يتعلق بأمور نفسه لا يجوز له – من ثم – إقامة الدعوى ضد الملتزم بنفقته للمطالبة بها وإنما يجب بحسب الأصل أن تقام الدعوى بها من صاحب اليد عليه سواء كان حاضنا لـه أو غير حاضن وذلك لكون القول الراجح من المذهب الحنفى يعطى صاحب اليد على الصغير الحق فى ذلك ، وعليه فإن قيام صاحب تلك اليد (كالحاضنة) بالتداعى بتلك الأمور مما يدخل فى نطاق الولاية على النفس يعد صحيحاً ، أما بالنسبة للأمور التى تدخل فى نطاق الولاية على المال فإن الصغير الذى لم يبلغ الحادية والعشرين (أو من بلغها معيباً بعيب من عيوب الأهلية كالعته أو الغيبة…. الخ) فلا يجوز لـه أن يتداعى مباشرة فيما يتعلق بتلك الأمور وإنما يتعين أن يباشر الدعوى عنه مدعياً أو مدعياً عليه وليه أو وصيه أو القيم عليه أو يعين له وصى خصومة بحكم قضائى إذا كانت الدعوى ستقام ضد وليه أو وصيه وذلك إذا ثبت قيام تعارض بين مصالح الولى على نفس أو مال الصغير والمولى عليه حيث يجب - كما تقدم - تنصيب وصى خصومه للمولى عليه للتداعى نيابة عنه سواء كان مدعياً أو مدعى عليه وسواء كانت الدعوى مما يتعلق بأمور الولاية على النفس أو على المال .
أما إذا كان الصغير قد بلغ سن المخاصمة القضائية فيما يتعلق بشئون نفسه (ببلوغ الخامسة عشرة ميلادية من عمره) وجب أن تقام الدعوى المتعلقة بشئون نفس الصغير (كالنفقات والمصروفات …الخ) منه أو عليه شخصيا– دون صاحب اليد عليه – بحيث أنه إذا أقيمت الدعوى من غيره (كصاحب اليد عليه) كانت غير مقبولة لرفعها من أو على غير ذى صفة ، مما مفاده أن قاعدة" أن النفقة تعتمد اليد الممسكة" بما تعنيه من حق صاحب اليد على الصغير المطالبة بنفقته طالما أن الصغير فى يده إنما تقتصر على الفترة التى يكون فيها الصغير دون سن المخاصمة القضائية إلا أنه لا زال فى يد الغير (الحاضنة أو غيرها) رغم ثبوت سقوط الحق فى الحضانة قانوناً لزواج الحاضنة مثلاً أو لصدور حكم بإسقاط الحضانة عنها رغم عدم بلوغ الصغير أقصى سن حضانة النساء ، أما إذا كان الصغير قد بلغ سن المخاصمة القضائية فلا تقبل الدعاوى المتعلقة بشئون نفسه – ومنها دعوى المطالبة بالنفقة إلا إذا أقيمت منه شخصيا ولا تقبل من صاحب اليد عليه (ممثله القانونى) .
وعلى ذلك فإن الأثر المترتب على رفع الدعوى ممن لم يبلغ سن المخاصمة القضائية أو على من لم يبلغ هذه السن يقتصر على بطلان إجراءات الخصومة دون أن يمتد ذلك إلى عدم قبول الدعوى - كما تقدم القول - بمعنى أنه إذا باشر الدعوى من ليس أهلا لمباشرتها (أي دون الخامسة عشر من عمره محتسبة بالتقويم الميلادي وفق حكم المادة 1 من القانون رقم 1 لسنة ۲۰۰۰) كانت دعواه مقبولة - إذا توافر له ش رطي المصلحة والصفة - ولكن إجراءات الخصومة تكون باطلة ويتعين على المحكمة الحكم ببطلان إجراءات الخصومة إذ دفع بذلك من شرع البطلان لمصلحته وقبل التحدث في الموضوع باعتبار أن الأهلية شرط فقط لصحة الخصومة وليس لقبول الدعوى) ومن ثم يجوز تصحيح الإجراءات الباطلة أو إجازتها ممن يملك الحق في ذلك ، وتأسيسا على هذا فإذا أقام الصغير الذي لم يبلغ سن المخاصمة القضائية الدعوى ولم يدفع الخصم ببطلان إجراءات الخصومة استمرت المحكمة في نظر الدعوى فإذا بلغ سن المخاصمة القضائية أثناء مباشرتها أو أجازها من يملك الحق في ذلك (كالولي أو وصي الخصومة) صحت الإجراءات الباطلة، وبناء على ذلك فإذا أقام الصغير الدعوى ثم بلغ سن المخاصمة القضائية أثناء مباشرتها صحت الإجراءات السابقة عليها، كما أنه إذا رفع الصغير الدعوى قبل بلوغه للخامسة عشرة من عمره ثم حضر ممثله القانوني (الولي أو صاحب اليد عليه...) بالجلسة وباشر الإجراءات صحت الخصومة) وكذا إذا لم يتمسك الخصم قبل التحدث في الموضوع ببطلان إجراءات رغم عدم استيفاء شرط السن.
وجوب إتحاد الحاضن من الرجال والمحضون في الدين
أما بالنسبة للحاضن من الرجال فالإجماع على وجوب اتحاده فى الدين مع المحضون الأمر الذى يتعين معه أن يكون الحاضن مسلماً إعمالاً لقاعدة "ألا ولاية لغير المسلم على المسلم" وعلى ذلك فلا يضم الصغير المسلم إلى أبيه غير المسلم عند بلوغه أقصى سن الحضانة المنصوص عليه قانوناً ويبقى فى حضانة الأم المسلمة أبداً .
أثر اختلاف ديانة الأبوين على حضانة المحضون
أنه إذا تزوج كتابيان فيفـرق بين حالتيـن الأولى حالـة إشهار الزوجة لإسلامها ، ففى هذه الحالة يبقى الصغير فى حضانتها إلى أن يبلغ سن الرشد ولا يضم إلى والده غير المسلم عند بلوغه أقصى سن الحضانة المنصوص عليه قانوناً إعمالاً لقاعدة ألا ولاية لغير المسلم على المسلم، أما إذا أسلم الزوج وبقيت الزوجة على دينها بقى الصغير فى حضانة الأم إلى أن يبلغ من العمر سبع سنين هجرية ثم يضم إلى أبيه إذا لم توجد حاضنة أخرى على دين الإسلام رغم عدم بلوغه سن الحضانة المنصوص عليه قانوناً أو إذا اثبت الأب أن الابن المحضون قادر على تمييز الأديان قبل بلوغه سن السابعة .
ويتعين التنويه إلى أن ديانة الصغير فى حالة إسلام أحد أبويه إنما تكون هى الإسلام طالما كان الولد مقيما فى بلاد المسلمين ودار الإسلام .
والمقرر فى الفقه الراجح من مذهب الإمام أبى حنيفة واجب التطبيق عملاً بالمادة الثالثة من القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية أن الصغير يبلغ بالعلامات وهى تختلف بحسب الذكورة والأنوثة ، وأنه بالنسبة للذكر يعرف بلوغه بالاحتلام مع الإنزال أو الإنزال بأى سبب أو الإحبال وبالنسبة للأنثى يعرف بلوغها بالحيض أو بالحبل أو الاحتلام مع الإنزال فإذا ظهر شئ من هذه العلامات حكم ببلوغ كل منهما وإن لم يظهر فلا يحكم ببلوغها إلا بالسن ، وذلك شريطة ألا يكون الصغير دون السابعة من عمره وقد استقر الراجح فى المذهب على أنه سن زوال الولاية هو خمس عشرة سنة هجرية بالنسبة لأيهما وفى خصوص سن المخاصمة القضائية فإن الرأى الراجح فى المذهب الحنفى أنه متى ثبت بلوغ الولد ذكراً أو أنثى عاقلاً زالت عنه الولاية على النفس فيخاصم ويختصـم بشخصه فيما يتعلق بشئون نفسه أما ما نص عليه فى المادة 2/1 منه على أن " تثبت أهلية التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية للولاية على النفس لمن أتم خمسة عشرة سنة ميلادية كاملة متمتعا بقواه العقلية " إنما ينصب على تحديد سن المخاصمة القضائية وحدة دون أن ينصرف إلى سن زوال الولاية على النفس شرعاً والذى يبقى على حالة المقرر فى الراجح من المذهب الحنفى مما مفاده أن من لم يبلغ السن المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون رقم 1 لسنة 2000 لا يكون قد بلغ سن المخاصمة القضائية ولو كانت الولاية على نفسه قد زالت عنه ببلوغه بالعلامات .
فإذا زالت عن الصغير الولاية عموما بالعلامات أو بالسن يكون للذكر- وفقاً للراجح فى المذهب الحنفى - حق اختيار من يقيم معه فله أن يختار الإقامة مع أمه أو أبيه كما أن مؤدى زوال الولاية عن نفسه حق الصغير فى اختيار عدم الإقامة مع أيهما والانفراد بالإقامة عنهما – وهو ما تبناه المشرع بالتعديل الذى أدخل على الفقرة الأولى من المادة محل التعليق- إلا أنه يشترط لتخيير الغلام أن يكون أهلا للاختيار ، فإذا ثبت للمحكمة عدم أهليته لإصابته بمرض عقلى أو نفسى يعيب أهليته فلا وجه – كما سبق القول - لتخييره وطبقت فى حقه القواعد العامة للحضانة .
الولاية الشرعية والولاية القضائية
وعلى ذلك يمكن القول أنه ليس معنى أن تزول الولاية على نفس الصغير لبلوغه بالعلامات أن يكون قد بلغ سن المخاصمة القضائية مما مفادة أنه ليس كل من بلغ سن زوال الولاية عن نفسه يكون قد بلغ سن المخاصمة القضائية (15 سنة ميلادية – م2 ق 1لسنة 2000) على حين أن كل من بلغ سن المخاصمة القضائية المنصوص عليه فى المادة 2 من القانون 1 لسنة 2000 تكون قد زالت الولاية عن نفسه بقوة القانون المتمثل فى الراجح من المذهب الحنفى .وباعتبار أن السنة الميلادية يزيد عدد أيامها عن أيام السنة الهجرية أحد عشر يوما .
ورغم أن الراجح فى المذهب الحنفى أن الحق فى الاختيار فى هذه الحالة يقتصر على الذكر ولا يتقرر للأنثى إلا إذا كانت ثيباً أى غير بكر ، فإذا كانت بكراً فلا يجوز تخييرها وإنما تجبر على أن تقيم مع العاصب المحرم لها متى كانت شابة أما إذا كانت مسنة وتعرف بالعفة فإنها لا تجبر على الإقامة عندهم إلا أن المشرع قد أعطى هذا الحق لكل من الذكر والأنثى متى بلغ الخامسة عشرة من عمره بمقتضى التعديل الذى ادخل على النص محل التعليق بالقانون رقم 4 لسنة 2005 , وعلى ذلك تبقى هذه التفرقة فى الاختيار لعدم تبيان النص للحكم بالنسبة للأنثى البكر والثيب عملاً بالمادة الثالثة من القانون رقم 1 لسنة 2000 وإعمالا لقاعدة أنه إذا أطلق النص فى التشريع وجب الرجوع إلى مأخذه .
وحق الاختيار المقرر للصغير البالغ الخامسة عشرة من عمره لا يلزم القاضي الذي له دائما سلطة موافقة الصغير أو عدم موافقته اختياره وتقرير الأصلح له إعمالا لقاعدة وجوب مراعاة المصلحة الفضلى للصغير المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة العاشرة من القانون رقم 1 لسنة 2004 والقاعدة الشرعية القائلة بجواز ارتكاب أخف الأضرار لاتقاء أشدها، إلا أن ذلك مشروط أن يبين القاضي في حكمه الأسباب التي دعته إلى عدم اعتبار اختيار الصغير فإذا ما توافر أحد الأسباب التي تستوجب عدم الالتزام باختيار الصغير حكمت المحكمة بتسليمه لمن ترى م صلحة الصغير معه وذلك على سبيل الحفظ، إلا أنه إذا لم تتوافر أسباب جدية لعدم اعتبار اختيار الصغير وجب على المحكمة الالتزام به إعمالا لمقتضى النص واحتراما لأهلية الصغير في هذا الخصوص.
خطورة ما انزلق إليه المشرع فيما يتعلق بزيادة سن حضانة النساء
وعلى ذلك يكون المشرع قد استحدث تعديلاً لنص المادة 20 من القانون – عما كان منصوص عليه فى القانون 25 لسنة 1929 - على نحو استمد بمقتضاه زمن حضانة النساء للصغير إلى خمسة عشرة سنة بالنسبة للذكور وبالنسبة للأنثى حتى تتزوج ، وإذا كانت محكمة النقض المصرية قـد حددت السن الذى يبلغ بـه الصغير وتنتهى – من ثم – فيه الولاية عليـه فيمـا يتعلق بشئون نفسه بخمسة عشـر سـنة بالنسبة لكل من الذكر أو الأنثى وأنه متى ثبت بلوغ الذكر أو الأنثى هذه السن عاقلا زالت عنه الولاية على النفس فيخاصم ويختصم بشخصه فيما يتعلق بشئون نفسه حيث يكون للذكر الخيار فى الإقامة عند أحد أبويه أو أن ينفرد عنهما وأن للأنثى ذلك أن كانت ثيبا إذا كان ذلك فإن المشرع إنما يكون بمقتضى هذا التعديل الذى أدخله على المادة 20 قد اسقط حق الحضانة عن الأب تماما على نحو لا يستطيع معه الأب ضم أولاده إليه ليقوم على تربيتهم وتخليقهم بأخلاق الرجال بالنسبة للذكور منهم وحماية الأنثى من أسباب الفساد ، ذلك أنه إذا كانت الحكمة من ضم الأولاد إلى أبيهم عند بلوغهم سن المراهقة الحرجة أن يقوم - بحسب الأصل - على تهذيبهم وحتى يعيش الولد فى كنف من يخشى جانبه ويهاب تواجده وهو ما لا يتوافر للنساء الحاضنات فإن مؤدى تمديد زمن حضانة النساء إلى الخامسة عشر عاما للذكر وإلى أن تتزوج الأنثى وجوب تخيرهما فيمن يرغبان الإقامة معه وهو ما كشف معه العمل عن اختيار الصغار للإقامة لدى الأم أو الحاضنة من النساء على الدوام لأسباب ترجع فى أغلبها إلى اعتياد معاشرة الحاضنة لمدة طويلة خمسة عشر عاما أو تزيد – ورغبة الصغير فى هذه السن الإفلات من الوقوع تحت سيطرة الأب بما يكون له من شخصية مهابة وما يفرضه على الصغار فى هذه السن الحرجة من قيود وضوابط ، وبذا يكون المشرع قد ساير اتجاه عاطفى نحو الرغبة فى الاستمرار بالرفق بالصغير وتدليله دون نظر إلى المصلحة العقلانية والحكمة من وجوب ضم الصغير إلى حاضن من الرجال فى هذه السن بالذات وهو ما نرى معه أن المشرع قد جانبه التوفيق تماما فى هذا الخصوص .
ويتعين الإشارة إلى أنه يجوز لأم أو الحضانة إقامة الدعوى بتخيير أو إثبات اختيار الصغير العيش معها حتى يتسنى لها قبض ما يقضي له به من نفقة إعمالا لقاعدة اليد الممسكة.
حضانة الصغير في حالة عدم وجود حاضن
فإذا لم توجد حاضنة من النساء المذكورات بالنص أو وجدت إلا أنه تخلف فيها شرط من شروط الصلاحية للحضانة أو إذا انتهت مدة حضانة النساء انتقل الحق فى الحضانة إلى العصابات من الرجال بحسب ترتيب الاستحقاق فى الإرث مع مراعاة تقديم الجد الصحيح على الأخوة ، فإذا لم يوجد أحد من هؤلاء انتقل الحق فى الحضانة إلى محارم الصغير غير العصبات على الترتيب الوارد بالفقرة الأخيرة من النص .
حق الأب في انتقال الحضانة إليه إذا لم تتقدم صاحبة الحق فيها من النساء
ويتعين الإشارة هنا إلى أنه في حالة سقوط الحضانة عن الحاضنة فلا تلتزم المحكمة بالبحث عن صاحبة الحق التالية في الحضانة على نحو إذ لم يتقدم أحد من صاحبات الحق في الحضانة من النساء للمطالبة بها قضت المحكمة بضم الصغير لمن يتقدم من أصحاب الحق في الحضانة قانونا من النساء أو الرجال ودون أن يكلف بإثبات عدم وجود مستحق لها سواه وحيث لا يسوغ إلزام المحكمة بإدخال كل أصحاب الحق في الحضانة خصوما في الدعوى للوصول إلى صاحب الحق فيها.
وإذا وجد أكثر من حاضنة أو حاضن فى مرتبة واحدة وكلهم أهل للحضانة كأخوة أشقاء أو أخوات شقيقات فأولاهم بحضانة الصغير أقدرهم على تربيته فإن تساوت قدرتهم رجح القاضى من يشاء منهم .
حضانة المحارم
وإذا لم يوجد للصغير من الأقارب إلا أرحام غير محارم – كأولاد العم والعمة وأولاد الخال والخالة فللذكور منهم حضانة الذكور وللإناث حضانة الإناث إلا أن للقاضى أن يضع الإناث لدى الذكور والذكور لدى الإناث إذا اقتضت المصلحة ذلك .
مكان الحضانة
وإذا لم يوجد من يحضن الصغير من الأقارب وضعه القاضى عند من يثق به من النساء أو الرجال أو فى الملاجئ .
وتقوم الحاضنة أو الحاضن بحضانة الصغير فى مسكن الحضانة الذى يتعين على الأب أن يهيئه لسكن المحضون طبقاً لما ورد بالمادة 18 مكرر ثالثا من القانون .
حدود حق كل من الحضانة للصغير في الانتقال به الي بلد آخر
أولا : حدود حق الحاضنة
وفيما يتعلق بحق الحاضنة فى الانتقال بالصغير إلى بلد آخر فإن الراجح لدى الفقه الحنفى أنه ليس للأم المطلقة أن تسافر بالولد الحاضنة له من بلد أبيه قبل انقضاء العدة مطلقا ، ولا يجوز لها بعد انقضائها أن تسافر به من غير إذن أبيه من مصر إلى مصر بينهما تفاوت ، ولا من قرية إلى مصر كذلك ولا من قرية إلى قرية بعيدة إلا إذا كان ما تنتقل إليه وطنا لها وقد عقد عليها فيه فإن كان كذلك فلها الانتقال بالولد من غير رضا أبيه ولو كان بعيدا عن محل إقامته ، فإن كان وطنها ولم يعقد عليها فيه أو عقد عليها فيه ولم يكن وطنها فليس لها أن تسافر إليه بالولد بغير إذن أبيه إلا إذا كان قريبا من محل إقامته بحيث يمكنه مطالعة ولده والرجوع إلى منزله قبل الليل وأما الانتقال بالولد من مصر إلى قرية فلا تمكن منه الأم بغير إذن الزوج ولو كانت القرية قريبة ما لم تكن وطنها وقد عقد عليها فيه ، أما غير الأم من الحاضنات لا تقدر بأي حال أن تنقل الولد من محل حضانته إلا بإذن أبيه وعلى ذلك ففى هذا المجال يفرق بين حالتين الأولى هى ما إذا كانت الحاضنة غير أم الصغير والثانية إذا كانت هى أمه . ففى الحالة الأولى لا يكون للحاضنة الانتقال بالصغير إلى بلد غير بلد أبيه إلا بإذنه بحيث إذا انتقلت أجبرت على العودة إلى محل الحضانة وإلا جاز للقاضى الحكم بنقل الحضانة إلى من يلى الحاضنة فيها أما إذا كانت الحاضنة هى أم الصغير فإذا كانت الزوجة لازالت قائمة مع الأب أو طلقت رجعياً ولازالت فى العدة أو طلقت وخرجت من العدة فلا يجوز لها الانتقال بالصغير بغير إذن الأب فى الحالتين الأوليين لأن ذلك يشكل نشوزا من جانبها أما فى الحالة الثالثة فيجوز لها الانتقال بالصغير إلى بلد أهلها الذى عقد عليها فيه فقط دون إذن الأب لتكون فى رعايتهم وشريطة إلا يحول ذلك دون ممارسة الأب لحقه فى رؤية الصغير والإشراف على شئونه فإذا انتفى أى قيد من تلك القيود امتنع عليها السفر بالصغير .إلا أن سفر الأم بالصغير بغير إذن أبيه لا يسقط النفقة ولا أجرة الحضانة.
ثانيا : حدود حق الحاضن
أما عن حق الأب فى السفر بالصغير فإن الراجح فى الفقه الحنفى أن الأب يمنع من إخراج الولد من بلد أمه بلا رضاها ما دامت حضانتها قائمة له ، فإن أخذ المطلق ولده منها لتزوجها بأجنبى وعدم وجود من ينتقل إليها حق الحضانة جـاز لـه أن يسافر به إلى أن يعود حق أمه أو من يقوم مقامها فى الحضانة وعليه فلا يجوز للأب أن ينتزع الولد من حاضنته ويسافر به بدون إذنها لأن سفره به بعيدا عن أمه فيه تفويت لمصلحتها ومصلحة الصغير وذلك لا يجوز حتى ولو كان البلد الذى يريد الانتقال إليه قريبا إلا إذا كانت الحضانة قد سقطت عنها ، أما إذا كان الولد فى حضانة أبيه فله حق السفر به إلا أنه ليس له أن يمنع أمه من رؤيته لأن لها الحق فى أن تراه ومنعها من الرؤية يلحق ضرراً بها وقد نهى الله عن الإضرار بقوله تعالى "لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده" .
وإذا كان حق الرؤية يثبت لغير الحاضن فيثبت كذلك للمحضون فله أن يذهب لزيارة أبيه أن كان عند أمه وله أن يذهب إلى أمه إذا كان عند أبيه ومنعه من ذلك يؤدى إلى قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وذلك محظور شرعًا .
ويتعين فى حالة رفع الدعوى بضم الصغير اختصام الحاضنة للصغير بصرف النظر عمن يكون الصغير بيده من الناحية الفعلية باعتبار أنه لا عبرة فى انتقال الحضانة من حاضن إلى آخر – سبق صدور حكم قضائي ـ إلا أن دواعي تنفيذ الحكم تستلزم ذلك
والحكم الصادر بتسليم الصغير لصاحب الحق فى ضمه إليه يكون نافذاً فوراً حتى ولو تم الطعن عليه إعمالاً لحكم المادة (65) وما بعدها من القانون رقم 1 لسنة 2000 .
وقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة (66) من القانون المذكور على وجوب إعادة تنفيذ الحكم بتسليم الولد .
تنفيذ الحكم بالحضانة
ويتم تنفيذ حكم الحضانة ( ضم الصغير أو حفظه أو انتقال الحضانة أو إسقاطها …. الخ ) جبرا وتحت إشراف قاضى التنفيذ المختص طبقاً للقواعد المنصوص عليها فى قانون رقم1 لسنة 2000 .
ونحن نرى أن نص المادة (66) من القانون رقم 1 لسنة 2000 بجواز تنفيذ الحكم بضم الصغير قهرا قد أصبح محل نظر بعد أن أولى المشرع الحالة النفسية للصغير أهمية خاصة بنصه فى الفقرة الرابعة من المادة 20 محل التعليق على عدم جواز تنفيذ الحكم برؤية الصغير قهرا والنص فى المذكرة الإيضاحية للمادة على وجوب أن يتم تنفيذ الحكم برؤية الصغير فى مكان لا يضر به نفسيا الأمر الذى يوجب مراعاة ذات الغاية فى تنفيذ حكم الحضانة من باب أولى والقول بعدم جواز تنفيذه قهرا , وأن يقتصر أثر عدم قيام الحاضنة بتنفيذه – فى رأينا – على وقف نفقة الصغير على أبيه شأن ذات الأثر فى حالة عدم قيام الزوجة بتنفيذ حكم الطاعة الصادر للزوج ضدها من وقف نفقتها عليه ، ونرى أيضاً أن صياغة نص المادة 66 من القانون رقم 1 لسنة 2000 تدل على وجوب عدم اللجوء إلى التنفيذ الجبرى بأمر قاضى التنفيذ المختص إلا بعد ثبوت استحالة التنفيذ الاختياري للحكم الصادر بالضم أو الحفظ .
حضانة الأم للصغير مفترضه بغير حكم قضائي
وحضانة الصغير الذى لم يبلغ أقصى سن الحضانة تكون ثابتة للأم ثبوتا فرضيا بحكم القانون بمقتضى المادة عشرين منه وهذه الأحكام من النظام العام وعلى من ينازع الأم هذا الحق هو الذى يتعين عليه اللجوء إلى سلوك الطريق القانونى برفع الدعوى إلى القضاء بضم الصغير إليه أو التقدم إلى النيابة العامة إعمالاً للمادة 70 من القانون رقم 1 لسنة 2000 رعاية لصالح الصغير وتوافرت شروط سلوك هذا السبيل الأخير باعتبار أن الحضانة يغلب فيها حق الصغير الأولى بالرعاية خاصة وأن القول بغير ذلك يؤدى إلى عدم استقرار الصغير حين أن استقراره الهدف الأكبر من أهداف التشريع الجديد .
وتجدر الإشارة إلى أن الأحكام الصادرة بانتقال الحضانة أو بضم الصغير تكون نافذة فوراً حتى مع الطعن عليها بطرق الطعن المقررة عملاً بالمادة 65 وما بعدها من القانون رقم 1 لسنة 2000 .
وإذا كانت الولاية تعرف بأنها تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى ويقسمها الفقه الحديث إلى نوعين ولاية ذاتية وولاية متعدية والأولى هى ولاية الشخص على نفسه أما الثانية فهى ولايته على غيره وهذه الأخيرة قد تكون مستمدة من الشارع كولاية الأب أو الجد على الصغار أو مستمدة من القانون كولاية القاضى والوصى.
وإذا كانت الولاية تنقسم كما سبق القول إلى ولاية على النفس وولاية على المال والأولى تقوم فى الأمور المتعلقة بنفس الشخص المولى عليه كولاية التوجيه والتربية والتعليم والتزويج والثانية هى التى تقوم على الأمور المالية المتعلقة بأموال المولى عليه وأن الأولى تنتهى بالبلوغ بالعلامات أو ببلوغ الخامسة عشرة والثانية تنتهى ببلوغ الحادية والعشرين من العمر , وكان مما يهمنا فى هذا المجال هو الولاية على النفس وهى التى يتحدد نطاقها فى التربية والتعليم والتوجيه والحفظ والصون والتزويج ، وهذه الولاية لا تثبت إلا لولى النفس ، وتثبت ولو كان الصغير فى حضانة أمه أو غيرها من الحاضنات وتستمر حتى بلوغ الصغير بالعلامات أو ببلوغ خمسة عشر عاما كما تقدم القول , فأنه من خلال هذا النظر يمكن القول أنه إذا كان الأصل فى الحضانة القيام على خدمة المحضون من حيث نظافته ومشربه وملبسه ومرقده والسهر على صحته فأنه لا يكون من اختصاص من له حق الحضانة توجيه الصغير فى التعليم والتثقيف واختيار نوع التعليم لأن ذلك – كما سبق القول – إنما يكون من شأن من لهم الولاية على النفس .
إلا أن المشرع نقل الحق في الولاية التعليمية على المحضون من ولي النفس وفقا للنظر السالف إلى الحاضن أيا من كان وذلك بمقتضى التعديل الذي أدخل على المادة 54/ 2 من قانون الطفل رقم ۱۲ لسنه 1996 بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 126 لسنة ۲۰۰۸ والتي نصت على أن تكون الولاية التعليمية على الطفل للحاضن، وعند الخلاف على ما يحقق مصلحة الطفل الفضلى يرفع أي من ذوي الشأن الأمر إلى رئيس محكمة الأسرة بصفته قاضيا الأمور الوقتية ليصدر قراره بأمر على عريضة مراعية مدى يسار ولي الأمر وذلك دون مساس بحق الحاضن في الولاية التعليمية".
مما مفاده أن ما يجوز طرحه على قاضي الأسرة هو الخلاف على مصلحة الطفل وليس على صاحب الحق في الولاية التعليمية. موسوعة المشكلات العملية في قوانين الأحوال الشخصية ، المستشار/ أشرف مصطفى كمال، الطبعة الخامسة عشر 2017 / 2018 ، الجزء : الثاني ، الصفحة : 389
المبحث الرابع: أحكام الحضانة في الفقه الإسلامي المقارن:
الْحَضَانَةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ حَضَنَ، وَمِنْهُ حَضَنَ الطَّائِرُ بَيْضَهُ إِذَا ضَمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ تَحْتَ جَنَاحَيْهِ، وَحَضَنَتِ الْمَرْأَةُ صَبِيِّهَا إِذَا جَعَلَتْهُ فِي حِضْنِهَا أَوْ رَبَّتْهُ، وَالْحَاضِنُ وَالْحَاضِنَةُ الْمُوَكَّلاَنِ بِالصَّبِيِّ يَحْفَظَانِهِ وَيُرَبِّيَانِهِ، وَحَضَنَ الصَّبِيَّ يَحْضُنُهُ حَضْنًا: رَبَّاهُ.
وَالْحَضَانَةُ شَرْعًا: هِيَ حِفْظُ مَنْ لاَ يَسْتَقِلُّ بِأُمُورِهِ، وَتَرْبِيَتُهُ بِمَا يُصْلِحُهُ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْكَفَالَةُ
- الْكَفَالَةُ لُغَةً الضَّمُّ، وَكَفَلْتُ الْمَالَ وَبِالْمَالِ ضَمِنْتُهُ، وَكَفَلْتُ الرَّجُلَ وَبِالرَّجُلِ كِفْلاً وَكَفَالَةً، وَتَكَفَّلْتُ بِهِ ضَمِنْتُهُ، وَالْكَافِلُ الْعَائِلُ، وَالْكَافِلُ وَالْكَفِيلُ الضَّامِنُ. قَالَ ابْنُ الأْعْرَابِيِّ: كَفِيلٌ وَكَافِلٌ وَضَمِينٌ وَضَامِنٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَفِي التَّهْذِيبِ: وَأَمَّا الْكَافِلُ فَهُوَ الَّذِي كَفَلَ إِنْسَانًا يَعُولُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْكَفَالَةُ بِالْوَلَدِ أَنْ يَعُولَهُ وَيَقُومَ بِأَمْرِهِ، وَمِنْهُ قوله تعالى : (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا)
وَفِي الْمُغْرِبِ: وَتَرْكِيبُهُ يَدُلُّ عَلَى الضَّمِّ وَالتَّضْمِينِ.
وَالْفُقَهَاءُ يُفْرِدُونَ بَابًا لِلْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ بِالنَّفْسِ، وَيُعَرِّفُونَهَا بِأَنَّهَا ضَمُّ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الأَْصِيلِ فِي الْمُطَالَبَةِ مُطْلَقًا بِنَفْسٍ، أَوْ بِدَيْنٍ، أَوْ عَيْنٍ كَمَغْصُوبٍ. كَمَا يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْكَفَالَةِ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ، وَيُرِيدُونَ بِالْكَفِيلِ مَنْ يَعُولُ الصَّغِيرَ وَيَقُومُ بِأُمُورِهِ. وَعَلَى ذَلِكَ فَلَفْظُ الْكَفَالَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ ضَمِّ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ الْحَضَانَةِ.
ب - الْوِلاَيَةُ:
- الْوِلاَيَةُ لُغَةً: النُّصْرَةُ، وَشَرْعًا: الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ أَوْ هِيَ: تَنْفِيذِ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ.
وَقَدْ يَكُونُ مَصْدَرُهَا الشَّرْعَ كَوِلاَيَةِ الأْبِ وَالْجَدِّ، وَقَدْ يَكُونُ مَصْدَرُهَا تَفْوِيضَ الْغَيْرِ كَالْوِصَايَةِ وَنِظَارَةِ الْوَقْفِ. وَالْوِلاَيَاتُ مُتَعَدِّدَةٌ كَالْوِلاَيَةِ فِي الْمَالِ، وَفِي النِّكَاحِ، وَفِي الْحَضَانَةِ، وَتَخْتَلِفُ مَنْ تَثْبُتُ لَهُ الْوِلاَيَةُ مِنْ نَوْعٍ إِلَى نَوْعٍ، فَقَدْ تَكُونُ لِلرِّجَالِ فَقَطْ. وَقَدْ تَكُونُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
وَالْحَضَانَةُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْوِلاَيَاتِ الثَّابِتَةِ بِالشَّرْعِ، وَيُقَدَّمُ فِيهَا النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ.
ج - الْوِصَايَةُ:
الْوِصَايَةُ لُغَةً: الأْمْرُ، وَشَرْعًا: الأْمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَوَصِيَّةِ الإْنْسَانِ إِلَى مَنْ يُغَسِّلُهُ، أَوْ يُصَلِّي عَلَيْهِ إِمَامًا، أَوْ يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَالْوِصَايَةُ وِلاَيَةٌ كَغَيْرِهَا، إِلاَّ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِتَفْوِيضِ الْغَيْرِ، أَمَّا الْحَضَانَةُ فَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَصِيُّ حَاضِنًا.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
- الْحَضَانَةُ وَاجِبَةٌ شَرْعًا، لأِنَّ الْمَحْضُونَ قَدْ يَهْلِكُ، أَوْ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ، فَيَجِبُ حِفْظُهُ عَنِ الْهَلاَكِ، مُحْكِمُهَا الْوُجُوبُ الْعَيْنِيُّ إِذَا لَمْ يُوجَدْ إِلاَّ الْحَاضِنُ، أَوْ وُجِدَ وَلَكِنْ لَمْ يَقْبَلِ الصَّبِيُّ غَيْرَهُ، وَالْوُجُوبُ الْكِفَائِيُّ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْحَاضِنِ.
صِفَةُ الْمَحْضُونِ (مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَضَانَةُ):
- تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ عَلَى الصَّغِيرِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - بِالنِّسْبَةِ لِلْبَالِغِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْحَضَانَةَ تَنْقَطِعُ فِي الذُّكُورِ بِالْبُلُوغِ وَلَوْ كَانَ زَمِنًا أَوْ مَجْنُونًا.
مُقْتَضَى الْحَضَانَةِ:
7 - مُقْتَضَى الْحَضَانَةِ حِفْظُ الْمَحْضُونِ وَإِِمْسَاكُهُ عَمَّا يُؤْذِيهِ، وَتَرْبِيَتُهُ لِيَنْمُوَ، وَذَلِكَ بِعَمَلِ مَا يُصْلِحُهُ، وَتَعَهُّدِهِ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَغُسْلِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ، وَدَهْنِهِ، وَتَعَهُّدِ نَوْمِهِ وَيَقِظَتِهِ.
حَقُّ الْحَضَانَةِ:
- لِكُلٍّ مِنَ الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُونِ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ، فَهِيَ حَقُّ الْحَاضِنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ عَنِ الْحَضَانَةِ لاَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، لأِنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِيهَا سَقَطَ، وَإِذَا أَرَادَ الْعَوْدَ وَكَانَ أَهْلاً لَهَا عَادَ إِلَيْهِ حَقُّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لأِنَّهُ حَقٌّ يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ.
وَهِيَ حَقُّ الْمَحْضُونِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلِ الْمَحْضُونُ غَيْرَ أُمِّهِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلأَْبِ وَلاَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ، تَعَيَّنَتِ الأْمُّ لِلْحَضَّانَةِ وَتُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: لَوِ اخْتَلَعَتِ. الزَّوْجَةُ عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ صَحَّ الْخُلْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ.
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَيُوَافِقُهُمُ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ الْجُمْهُورَ فِي عَوْدَةِ الْحَقِّ بَعْدَ الإْسْقَاطِ، فَعِنْدَهُمْ إِذَا أَسْقَطَ الْحَاضِنُ حَقَّهُ فِي الْحَضَانَةِ دُونَ عُذْرٍ بَعْدَ وُجُوبِهَا سَقَطَ حَقُّهُ وَلاَ يَعُودُ إِلَيْهِ الْحَقُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ أَرَادَ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يَعُودُ إِلَيْهِ حَقُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا حَقُّ الْمَحْضُونِ.
الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْحَضَانَةِ وَتَرْتِيبُهُمْ:
الْحَضَانَةُ تَكُونُ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا، إِلاَّ أَنَّ النِّسَاءَ يُقَدَّمْنَ عَلَى الرِّجَالِ، لأِنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَرْفَقُ، وَبِهَا أَلْيَقُ وَأَهْدَى إِلَى تَرْبِيَةِ الصِّغَارِ، ثُمَّ تُصْرَفُ إِلَى الرِّجَالِ لأِنَّهُمْ عَلَى الْحِمَايَةِ وَالصِّيَانَةِ وَإِقَامَةِ مَصَالِحِ الصِّغَارِ أَقْدَرُ.
وَحَضَانَةُ الطِّفْلِ تَكُونُ لِلأْبَوَيْنِ إِذَا كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا بَيْنَهُمَا، فَإِنِ افْتَرَقَا فَالْحَضَانَةُ لأُِمِّ الطِّفْلِ بِاتِّفَاقِ، لِمَا وَرَدَ «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي، فَقَالَ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي».
وَلِكُلِّ أَهْلِ مَذْهَبٍ طَرِيقَةٌ خَاصَّةٌ فِي تَرْتِيبِ مُسْتَحِقِّي الْحَضَانَةِ بَعْدَ الأُْمِّ وَمَنْ يُقَدَّمُ عِنْدَ الاِسْتِوَاءِ فِي الاِسْتِحْقَاقِ. مَعَ مُرَاعَاةِ أَنَّ الْحَضَانَةَ لاَ تَنْتَقِلُ مِنَ الْمُسْتَحِقِّ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ إِلاَّ إِذَا أَسْقَطَ الْمُسْتَحِقُّ حَقَّهُ فِي الْحَضَانَةِ أَوْ سَقَطَتْ لِمَانِعٍ.
وَبَيَانُ تَرْتِيبِ الْمَذَاهِبِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ هُوَ كَمَا يَلِي:
- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أُمَّ الأْمِّ تَلِي الأْمَّ فِي الْحَضَانَةِ إِذَا سَقَطَتْ حَضَانَةُ الأْمِّ لِمَانِعٍ، ثُمَّ أُمُّ الأْبِ وَإِنْ عَلَتْ، ثُمَّ الأْخْتُ لأِبَوَيْنِ، ثُمَّ الأْخْتُ لأِمٍّ، ثُمَّ الأْخْتُ لأِبٍ، ثُمَّ بِنْتُ الأْخْتِ لأِبَوَيْنِ، ثُمَّ لأِمٍّ، ثُمَّ الْخَالاَتُ لأِبَوَيْنِ، ثُمَّ لأِمٍّ، ثُمَّ لأِبٍ، ثُمَّ بِنْتُ الأْخْتِ لأِبٍ (وَتَأْخِيرُهَا عَنِ الْخَالاَتِ هُوَ الصَّحِيحُ). ثُمَّ بَنَاتُ الأْخِ لأِبَوَيْنِ، ثُمَّ لأِمٍّ، ثُمَّ لأِبٍ، ثُمَّ الْعَمَّاتُ لأِبَوَيْنِ، ثُمَّ لأِمٍّ، ثُمَّ لأِبٍ، ثُمَّ خَالَةُ الأْمِّ، ثُمَّ خَالَةُ الأْبِ، ثُمَّ عَمَّاتُ الأْمَّهَاتِ وَالآْبَاءِ، ثُمَّ الْعَصَبَاتُ مِنَ الرِّجَالِ بِتَرْتِيبِ الإْرْثِ، فَيُقَدَّمُ الأْبُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ الأْخُ الشَّقِيقُ، ثُمَّ لأِبٍ، ثُمَّ بَنُوهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ الْعَمُّ، ثُمَّ بَنُوهُ. وَإِذَا اجْتَمَعُوا قُدِّمَ الأْوْرَعُ ثُمَّ الأْسَنُّ، ثُمَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ انْتَقَلَ حَقُّ الْحَضَانَةِ لِذَوِي الأْرْحَامِ الذُّكُورِ إِذَا كَانُوا مِنَ الْمَحَارِمِ، فَيُقَدَّمُ الْجَدُّ لأِمٍّ، ثُمَّ يُقَدَّمُ الأْخُ لأِمٍّ، ثُمَّ لاِبْنِهِ، ثُمَّ لِلْعَمِّ لأِمٍّ، ثُمَّ لِلْخَالِ لأِبَوَيْنِ، ثُمَّ لِلْخَالِ لأِمٍّ، فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَصْلَحُهُمْ، ثُمَّ أَوْرَعُهُمْ ثُمَّ أَكْبَرُهُمْ.
- وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَْحَقَّ بِالْحَضَانَةِ بَعْدَ الأْمِّ أُمُّ الأْمِّ، ثُمَّ جَدَّةُ الأْمِّ، وَتُقَدَّمُ مَنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الأُْمِّ عَلَى مَنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الأْبِ، ثُمَّ خَالَةُ الْمَحْضُونِ الشَّقِيقَةُ، ثُمَّ الَّتِي لِلأْمِّ، ثُمَّ الَّتِي لِلأْبِ، ثُمَّ خَالَةُ الأْمِّ الشَّقِيقَةُ، ثُمَّ الَّتِي لِلأْمِّ، ثُمَّ الَّتِي لِلأْبِ، ثُمَّ عَمَّةُ الأْمِّ، ثُمَّ الْجَدَّةُ لأِبٍ (وَتَشْمَلُ أُمَّ الأْبِ وَأُمَّ أُمِّهِ وَأُمَّ أَبِيهِ وَتُقَدَّمُ الْقُرْبَى عَلَى الْبُعْدَى) ثُمَّ بَعْدَ الْجَدَّةِ مِنْ جِهَةِ الأْبِ تَكُونُ الْحَضَانَةُ لِلأْبِ، ثُمَّ أُخْتِ الْمَحْضُونِ الشَّقِيقَةِ، ثُمَّ الَّتِي لِلأْمِّ، ثُمَّ الَّتِي لِلأْبِ، ثُمَّ الْعَمَّةِ، ثُمَّ عَمَّةِ الأْبِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ خَالَةِ الأْبِ.
ثُمَّ اخْتُلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَقْدِيمِ بِنْتِ الأْخِ أَوْ بِنْتِ الأْخْتِ أَوْ تَقْدِيمِ الأْكْفَأِ مِنْهُنَّ وَهُوَ أَظْهَرُ الأْقْوَالِ، ثُمَّ الْوَصِيِّ، ثُمَّ الأْخِ، ثُمَّ الْجَدِّ مِنْ جِهَةِ الأْبِ، ثُمَّ ابْنِ الأْخِ، ثُمَّ الْعَمِّ، ثُمَّ ابْنِ الْعَمِّ، ثُمَّ الْمَوْلَى الأْعْلَى، وَهُوَ الْمُعْتِقُ، ثُمَّ الْمَوْلَى الأْسْفَلُ وَهُوَ الْمُعْتَقُ.
وَاخْتُلِفَ فِي حَضَانَةِ الْجَدِّ لأِمٍّ، فَمَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ، وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ أَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْحَضَانَةِ، وَمَرْتَبَتُهُ تَكُونُ بَعْدَ مَرْتَبَةِ الْجَدِّ لأِبٍ.
وَيُقَدَّمُ عِنْدَ التَّسَاوِي الأْكْثَرُ صِيَانَةً وَشَفَقَةً، ثُمَّ الأْكْبَرُ سِنًّا عِنْدَ التَّسَاوِي فِي ذَلِكَ، ثُمَّ الْقُرْعَةُ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي كُلِّ شَيْءٍ.
- وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأْحَقَّ بِالْحَضَانَةِ بَعْدَ الأْمِّ الْبِنْتُ، ثُمَّ أُمَّهَاتُ الأْمِّ اللاَّتِي يُدْلِينَ بِإِنَاثٍ وَارِثَاتٍ تُقَدَّمُ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، ثُمَّ الصَّحِيحُ بَعْدَ ذَلِكَ - عَلَى الْجَدِيدِ - تَنْتَقِلُ الْحَضَانَةُ إِلَى أُمِّ الأْبِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ أُمَّهَاتُ الأْمِّ عَلَى أُمِّ الأْبِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِنَّ وَلأِنَّهُنَّ أَقْوَى مِيرَاثًا مِنْ أُمَّهَاتِ الأْبِ، ثُمَّ بَعْدَ أُمِّ الأْبِ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ وَارِثَاتٍ، ثُمَّ أُمُّ أَبِي الأْبِ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ وَارِثَاتٍ، ثُمَّ أُمُّ أَبِي الْجَدِّ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ وَارِثَاتٍ، وَتُقَدَّمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، ثُمَّ الأْخْتُ الشَّقِيقَةُ ثُمَّ الَّتِي لأَبٍ - عَلَى الأْصَحِّ - ثُمَّ الَّتِي لأِمٍّ، ثُمَّ لِخَالَةٍ بِهَذَا التَّرْتِيبِ عَلَى الأْصَحِّ، ثُمَّ بِنْتُ الأُْخْتِ، ثُمَّ بِنْتُ الأَْخِ، ثُمَّ الْعَمَّةُ مِنَ الأْبِ وَالأُْمِّ، ثُمَّ الْعَمَّةُ مِنَ الأْبِ، ثُمَّ الْعَمَّةُ مِنَ الأُْمِّ.
وَعَلَى الْقَدِيمِ يُقَدَّمُ الأَْخَوَاتُ وَالْخَالاَتُ عَلَى أُمَّهَاتِ الأْبِ وَالْجَدِّ، أَمَّا الأَْخَوَاتُ فَلأِنَّهُنَّ اجْتَمَعْنَ مَعَهُ فِي الصُّلْبِ وَالْبَطْنِ، وَأَمَّا الْخَالاَتُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُْمِّ».
وَالأْصَحُّ إِثْبَاتُ حَقِّ الْحَضَانَةِ لِلإْنَاثِ غَيْرِ الْمَحَارِمِ كَبِنْتِ الْخَالَةِ، وَبِنْتِ الْعَمَّةِ، وَبِنْتِ الْخَالِ، وَبِنْتِ الْعَمِّ لِشَفَقَتِهِنَّ بِالْقَرَابَةِ وَهِدَايَتِهِنَّ إِلَى التَّرْبِيَةِ بِالأُْنُوثَةِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ لاَ حَقَّ لَهُنَّ فِي الْحَضَانَةِ.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِحَضَانَةِ الرِّجَالِ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهَا تَثْبُتُ لِكُلِّ مَحْرَمٍ وَارِثٍ عَلَى تَرْتِيبِ الإْرْثِ عِنْدَ الاِجْتِمَاعِ، فَيُقَدَّمُ أَبٌ، ثُمَّ جَدٌّ وَإِنْ عَلاَ، ثُمَّ أَخٌ شَقِيقٌ، ثُمَّ لأِبٍ، وَهَكَذَا كَتَرْتِيبِ وِلاَيَةِ النِّكَاحِ، كَمَا تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِغَيْرِ الْمَحْرَمِ إِنْ كَانَ وَارِثًا كَابْنِ الْعَمِّ، وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ بِالْوِلاَيَةِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ لاَ حَضَانَةَ لَهُ لِفَقْدِ الْمَحْرَمِيَّةِ.
فَإِنْ فَقَدَ الذَّكَرُ الإْرْثَ وَالْمَحْرَمِيَّةَ مَعًا كَابْنِ الْخَالِ وَابْنِ الْعَمَّةِ، أَوْ فَقَدَ الإْرْثَ فَقَطْ مَعَ بَقَاءِ الْمَحْرَمِيَّةِ كَالْخَالِ وَأَبِي الأُْمِّ، فَلاَ حَضَانَةَ لَهُمْ فِي الأْصَحِّ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ لَهُمُ الْحَضَانَةُ لِشَفَقَتِهِمْ بِالْقَرَابَةِ.
وَإِذَا اجْتَمَعَ لِلْمَحْضُونِ مُسْتَحِقُّونَ مِنَ الذُّكُورِ وَالإْنَاثِ قُدِّمَتِ الأْمُّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُ الأْمِّ الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ، ثُمَّ الأْبُ، وَقِيلَ تُقَدَّمُ الْخَالَةُ وَالأْخْتُ مِنَ الأْمِّ عَلَى الأْبِ، وَيُقَدَّمُ الأْصْلُ عَلَى الْحَاشِيَةِ مُطْلَقًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، كَالأْخِ وَالأْخْتِ لِقُوَّةِ الأْصُولِ، فَإِنْ فُقِدَ الأْصْلُ وَهُنَاكَ حَوَاشٍ فَالأَْصَحُّ أَنْ يُقَدَّمَ مِنَ الْحَوَاشِي الأْقْرَبُ فَالأْقْرَبُ كَالإْرْثِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَإِنِ اسْتَوَوْا وَفِيهِمْ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، فَالأْنْثَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى الذَّكَرِ.
وَإِنِ اسْتَوَى اثْنَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَأَخَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ، وَخَالَتَيْنِ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ.
وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ أَنَّ نِسَاءَ الْقَرَابَةِ وَإِنْ بَعُدْنَ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنَ الذُّكُورِ وَإِنْ كَانُوا عَصَبَاتٍ، لأِنَّهُنَّ أَصْلَحُ لِلْحَضَانَةِ.
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: إِنْ تُزَاحَمُوا قُدِّمَتْ فِي الأْصُولِ الأْمُّ مَا لَمْ تَنْكِحْ أَجْنَبِيًّا، ثُمَّ الْجَدَّةُ، ثُمَّ الْمُدْلِيَةُ بِهَا، لأِنَّهَا بِالإْنَاثِ أَلْيَقُ، ثُمَّ الأْبُ، ثُمَّ الْمُدْلِيَةُ بِهِ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ الْمُدْلِيَةُ بِهِ، ثُمَّ الأْخْتُ، ثُمَّ الأْخُ، ثُمَّ الْخَالاَتُ، ثُمَّ بِنْتُ الأْخْتِ، ثُمَّ بِنْتُ الأْخِ، ثُمَّ ابْنُهُ، ثُمَّ الْعَمُّ، ثُمَّ ابْنَتُهُ، ثُمَّ ابْنُهُ، وَتُسَلَّمُ الْمُرَاهِقَةُ إِلَى ثِقَةٍ، وَقُدِّمَ وَلَدُ الأْوَيْنِ ثُمَّ الأْبُ، ثُمَّ الأْمُّ. ثُمَّ أَبُو الأْمِّ. ثُمَّ الْخَالُ. وَقِيلَ: لاَ حَقَّ لَهُمَا، وَلاَ لاِبْنِ وَلَدِ الأْمِّ، لِعَدَمِ الأْنُوثَةِ وَالإْرْثِ.
- وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الأْحَقَّ بِالْحَضَانَةِ بَعْدَ الأْمِّ أُمَّهَاتُهَا الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، ثُمَّ الأْبُ، ثُمَّ أُمَّهَاتُ الأْبِ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُ الْجَدِّ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، ثُمَّ الأْخْتُ لأِبَوَيْنِ، ثُمَّ الأْخْتُ لأِمٍّ، ثُمَّ لأِبٍ، ثُمَّ الْخَالَةُ لأِبَوَيْنِ، ثُمَّ الْخَالَةُ لأِمٍّ، ثُمَّ الْخَالَةُ لأِبٍ، ثُمَّ الْعَمَّةُ لأِبَوَيْنِ، ثُمَّ لأِمٍّ، ثُمَّ لأِبٍ، ثُمَّ خَالَةُ أُمِّهِ كَذَلِكَ، ثُمَّ خَالَةُ أَبِيهِ، ثُمَّ عَمَّةُ أَبِيهِ، ثُمَّ بَنَاتُ إِخْوَتِهِ وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهِ، ثُمَّ بَنَاتُ أَعْمَامِهِ وَبَنَاتُ عَمَّاتِهِ، ثُمَّ بَنَاتُ أَعْمَامِ أَبِيهِ وَبَنَاتُ عَمَّاتِ أَبِيهِ، تُقَدَّمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مَنْ كَانَتْ لأِبَوَيْنِ ثُمَّ مَنْ كَانَتْ لأِمٍّ، ثُمَّ مَنْ كَانَتْ لأِبٍ. ثُمَّ تَكُونُ الْحَضَانَةُ لِبَاقِي الْعَصَبَةِ الأْقْرَبُ فَالأْقْرَبُ. فَإِنْ كَانَ الْمَحْضُونُ أُنْثَى فَالْحَضَانَةُ عَلَيْهَا لِلْعَصَبَةِ مِنْ مَحَارِمِهَا وَلَوْ بِرَضَاعٍ وَنَحْوِهِ كَمُصَاهَرَةٍ، وَهَذَا مَتَى بَلَغَتِ الأْنْثَى الْمَحْضُونَةُ سَبْعًا، فَلاَ حَضَانَةَ عَلَيْهَا بَعْدَ السَّبْعِ لاِبْنِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا لَهَا بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ.
هَذَا مَا حَرَّرَهُ صَاحِبُ كَشَّافِ الْقِنَاعِ، وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ قُدَامَةَ إِنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ.
وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ الأْخْرَى عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ، فَعَنْهُ أَنَّ أُمَّ الأْبِ وَأُمَّهَاتِهَا مُقَدَّمَاتٌ عَلَى أُمِّ الأْمِّ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ الأْبُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، فَيَكُونُ الأْبُ بَعْدَ الأْمِّ ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ.
كَمَا حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الأُْخْتَ مِنَ الأْمِّ وَالْخَالَةَ أَحَقُّ مِنَ الأْبِ، فَتَكُونُ الأْخْتُ مِنَ الأْبَوَيْنِ أَحَقَّ مِنْهُ وَمِنْ جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ.
وَأَمَّا تَرْتِيبُ الرِّجَالِ فَأَوْلاَهُمُ الأَْبُ، ثُمَّ الْجَدُّ، أَبُو الأْبِ وَإِنْ عَلاَ، ثُمَّ الأَْخُ مِنَ الأَْبَوَيْنِ، ثُمَّ الأَْخُ مِنَ الأْبِ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ، ثُمَّ الْعُمُومَةُ، ثُمَّ بَنُوهُمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ عُمُومَةُ الأْبِ، ثُمَّ بَنُوهُمْ.
وَإِنْ اجْتَمَعَ شَخْصَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ وَتَسَاوَوْا، كَأَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ قُدِّمَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَاضِنِ أَحَدٌ مِمَّنْ ذُكِرَ انْتَقَلَتِ الْحَضَانَةُ لِذَوِي الأَْرْحَامِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الأَْوْلَى، لأِنَّ لَهُمْ رَحِمًا وَقَرَابَةً يَرِثُونَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ مَنْ هُوَ أَوْلَى، فَيُقَدَّمُ أَبُو أُمٍّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ، ثُمَّ أَخٌ مِنْ أُمٍّ، ثُمَّ خَالٌ، ثُمَّ حَاكِمٌ يُسَلِّمُهُ إِلَى مَنْ يَحْضُنُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَفِي الْوَجْهِ الآْخَرِ لاَ حَقَّ لِذَوِي الأْرْحَامِ مِنَ الرِّجَالِ وَيَنْتَقِلُ الأْمْرُ لِلْحَاكِمِ.
وَفِي كُلِّ مَوْطِنٍ اجْتَمَعَ فِيهِ أَخٌ وَأُخْتٌ، أَوْ عَمٌّ وَعَمَّةٌ، أَوِ ابْنُ أَخٍ وَبِنْتُ أَخٍ، أَوِ ابْنُ أُخْتٍ وَبِنْتُ أُخْتٍ قُدِّمَتِ الأُْنْثَى عَلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهَا مِنَ الذُّكُورِ، لأِنَّ الأْنُوثَةَ هُنَا مَعَ التَّسَاوِي تُوجِبُ الرُّجْحَانَ.
مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ:
الْحَضَانَةُ مِنَ الْوِلاَيَاتِ وَالْغَرَضُ مِنْهَا صِيَانَةُ الْمَحْضُونِ وَرِعَايَتُهُ، وَهَذَا لاَ يَتَأَتَّى إِلاَّ إِذَا كَانَ الْحَاضِنُ أَهْلاً لِذَلِكَ، وَلِهَذَا يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ شُرُوطًا خَاصَّةً لاَ تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ إِلاَّ لِمَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ ثَلاَثَةٌ: شُرُوطٌ عَامَّةٌ فِي النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، وَشُرُوطٌ خَاصَّةٌ بِالنِّسَاءِ، وَشُرُوطٌ خَاصَّةٌ بِالرِّجَالِ.
أَمَّا الشُّرُوطُ الْعَامَّةُ فَهِيَ:
- الإْسْلاَمُ. وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَحْضُونُ مُسْلِمًا، إِذْ لاَ وِلاَيَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلِلْخَشْيَةِ عَلَى الْمَحْضُونِ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهِ، وَهَذَا شَرْطٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، وَمِثْلُهُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَاضِنِ الذَّكَرِ.. أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَاضِنَةِ الأُْنْثَى، فَلاَ يُشْتَرَطُ الإْسْلاَمُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُرْتَدَّةً، لأِنَّهَا تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ - كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ - فَلاَ تَتَفَرَّغُ لِلْحَضَانَةِ.
أَمَّا غَيْرُ الْمُسْلِمَةِ - كِتَابِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَجُوسِيَّةً - فَهِيَ كَالْمُسْلِمَةِ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الْحَضَانَةِ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: مَا لَمْ يَعْقِلِ الْمَحْضُونُ الدِّينَ، أَوْ يُخْشَى أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْزِعُ مِنْهَا وَيُضَمُّ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ خِيفَ عَلَيْهِ فَلاَ يَنْزِعُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا تُضَمُّ الْحَاضِنَةُ لِجِيرَانٍ مُسْلِمِينَ لِيَكُونُوا رُقَبَاءَ عَلَيْهَا.
- الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، فَلاَ تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِطِفْلٍ وَلاَ لِمَجْنُونٍ، أَوْ مَعْتُوهٍ، لأِنَّ هَؤُلاَءِ عَاجِزُونَ عَنْ إِدَارَةِ أُمُورِهِمْ وَفِي حَاجَةٍ لِمَنْ يَحْضُنُهُمْ، فَلاَ تُوكَلُ إِلَيْهِمْ حَضَانَةُ غَيْرِهِمْ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ حَيْثُ إِنَّ لِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلاً فِي شَرْطِ الْبُلُوغِ.
- الأْمَانَةُ فِي الدِّينِ، فَلاَ حَضَانَةَ لِفَاسِقٍ، لأِنَّ الْفَاسِقَ لاَ يُؤْتَمَنُ، وَالْمُرَادُ: الْفِسْقُ الَّذِي يَضِيعُ الْمَحْضُونُ بِهِ، كَالاِشْتِهَارِ بِالشُّرْبِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالزِّنَى وَاللَّهْوِ الْمُحَرَّمِ، أَمَّا مَسْتُورُ الْحَالِ فَتَثْبُتُ لَهُ الْحَضَانَةُ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْحَاضِنَةَ إِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً فِسْقًا يَلْزَمُ مِنْهُ ضَيَاعُ الْوَلَدِ عِنْدَهَا سَقَطَ حَقُّهَا، وَإِلاَّ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ إِلَى أَنْ يَعْقِلَ الْوَلَدُ فُجُورَ أُمِّهِ فَيُنْزَعُ مِنْهَا، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: يَكْفِي مَسْتُورُهَا أَيْ مَسْتُورُ الْعَدَالَةِ. قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَالْحَاضِنُ مَحْمُولٌ عَلَى الأْمَانَةِ حَتَّى يَثْبُتَ عَدَمُهَا.
- الْقُدْرَةُ عَلَى الْقِيَامِ بِشَأْنِ الْمَحْضُونِ، فَلاَ حَضَانَةَ لِمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ لِكِبَرِ سِنٍّ، أَوْ مَرَضٍ يَعُوقُ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ عَاهَةٍ كَالْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالصَّمَمِ، أَوْ كَانَتِ الْحَاضِنَةُ تَخْرُجُ كَثِيرًا لِعَمَلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتَتْرُكُ الْوَلَدَ ضَائِعًا، فَكُلُّ هَؤُلاَءِ لاَ حَضَانَةَ لَهُمْ إِلاَّ إِذَا كَانَ لَدَيْهِمْ مَنْ يُعْنَى بِالْمَحْضُونِ، وَيَقُومُ عَلَى شُؤُونِهِ، فَحِينَئِذٍ لاَ تَسْقُطُ حَضَانَتُهُمْ.
- أَلاَّ يَكُونَ بِالْحَاضِنِ مَرَضٌ مُعْدٍ، أَوْ مُنَفِّرٌ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إِلَى الْمَحْضُونِ، كَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ وَشَبَهِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إِلَى الْمَحْضُونِ.
- الرُّشْدُ: وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، فَلاَ حَضَانَةَ لِسَفِيهٍ مُبَذِّرٍ لِئَلاَّ يُتْلِفَ مَالَ الْمَحْضُونِ.
- أَمْنُ الْمَكَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَحْضُونِ الَّذِي بَلَغَ سِنًّا يُخْشَى عَلَيْهِ فِيهِ الْفَسَادُ، أَوْ ضَيَاعُ مَالِهِ، فَلاَ حَضَانَةَ لِمَنْ يَعِيشُ فِي مَكَانٍ مَخُوفٍ يَطْرُقُهُ الْمُفْسِدُونَ وَالْعَابِثُونَ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الشَّرْطِ الْمَالِكِيَّةُ.
- عَدَمُ سَفَرِ الْحَاضِنِ أَوِ الْوَلِيِّ سَفَرَ نُقْلَةٍ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي (مَكَانُ الْحَضَانَةِ).
أَمَّا الشُّرُوطُ الْخَاصَّةُ بِالْحَاضِنِينَ مِنَ الرِّجَالِ فَهِيَ:
أ - أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا لِلْمَحْضُونِ إِذَا كَانَتِ الْمَحْضُونَةُ أُنْثَى مُشْتَهَاةً فَلاَ حَضَانَةَ لاِبْنِ الْعَمِّ لأِنَّهُ لَيْسَ مَحْرَمًا، وَلأِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا فَلاَ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتِ الْمَحْضُونَةُ صَغِيرَةً لاَ تُشْتَهَى، وَلاَ يُخْشَى عَلَيْهَا فَلاَ تَسْقُطُ حَضَانَةُ ابْنِ عَمِّهَا.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَهَاةِ غَيْرُ ابْنِ الْعَمِّ، وُضِعَتْ عِنْدَ أَمِينَةٍ يَخْتَارُهَا ابْنُ الْعَمِّ، كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، أَوْ يَخْتَارُهَا الْقَاضِي كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ إِذَا لَمْ يَكُنِ ابْنُ عَمِّهَا أَصْلَحَ لَهَا، وَإِِلاَّ أَبْقَاهَا الْقَاضِي عِنْدَهُ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَسْقُطُ حَقُّ الْحَضَانَةِ لِغَيْرِ الْمَحْرَمِ.
وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ تُضَمَّ لاِبْنِ عَمِّهَا إِذَا كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ يُسْتَحَى مِنْهَا، فَإِِنَّهَا تُجْعَلُ عِنْدَهُ مَعَ بِنْتِهِ.
ب - يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ لِثُبُوتِ الْحَضَانَةِ لِلذَّكَرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْحَضَانَةِ كَزَوْجَةٍ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ لِذَلِكَ، أَوْ مُتَبَرِّعَةٍ.
وَأَمَّا الشُّرُوطُ الْخَاصَّةُ بِالْحَوَاضِنِ مِنَ النِّسَاءِ فَهِيَ:
أَوَّلاً - أَلاَّ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ مُتَزَوِّجَةً مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ، لأِنَّهَا تَكُونُ مَشْغُولَةً بِحَقِّ الزَّوْجِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» فَلاَ حَضَانَةَ لِمَنْ تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ، وَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَبِالدُّخُولِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لاِبْنِ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي.
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ حَالاَتٍ لاَ يَسْقُطُ فِيهَا حَقُّ الْحَاضِنَةِ بِتَزَوُّجِهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ وَهِيَ:
أ - أَنْ يَعْلَمَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ بَعْدَهَا بِدُخُولِ زَوْجِهَا بِهَا، وَسُقُوطِ حَقِّهَا فِي الْحَضَانَةِ وَيَسْكُتَ - بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ بِلاَ عُذْرٍ - سَنَةً فَلاَ تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا حِينَئِذٍ.
ب - أَلاَّ يَقْبَلَ الْمَحْضُونُ غَيْرَ مُسْتَحِقَّةِ الْحَضَانَةِ أُمًّا أَوْ غَيْرَهَا - فَلاَ تَسْقُطُ بِدُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
ج - أَلاَ تَقْبَلَ الْمُرْضِعَةُ أَنْ تُرْضِعَهُ عِنْدَ بَدَلِ أُمِّهِ الَّذِي انْتَقَلَتْ لَهُ الْحَضَانَةُ بِسَبَبِ تَزَوُّجِ الأُْمِّ.
د - أَلاَّ يَكُونَ لِلْوَلَدِ حَاضِنٌ غَيْرُ الْحَاضِنَةِ الَّتِي دَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا، أَوْ يَكُونَ لَهُ حَاضِنٌ غَيْرُهَا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ، أَوْ عَاجِزٌ عَنِ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمَحْضُونِ.
هـ - أَلاَّ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ الَّتِي تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ وَصِيَّةً عَلَى الْمَحْضُونِ، وَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَهُمْ لاَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ.
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِزَوَاجِ الْحَاضِنَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَحْضُونِ كَالْجَدَّةِ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِجَدِّ الصَّبِيِّ، أَوْ تَزَوَّجَتْ بِقَرِيبٍ وَلَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَحْضُونِ كَابْنِ عَمِّهِ فَلاَ تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا، وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ - الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - فِي الأَْصَحِّ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ يَسْقُطُ حَقُّهَا لاِشْتِغَالِهَا بِالزَّوْجِ. وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنْ يَكُونَ مَنْ نَكَحَتْهُ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ، لأِنَّ شَفَقَتَهُ تَحْمِلُهُ عَلَى رِعَايَتِهِ فَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى ذَلِكَ. كَمَا اشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ رِضَا الزَّوْجِ، وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ بَقَاءَ الْحَضَانَةِ بِمَا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ رَحِمًا مَحْرَمًا، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا.
ثَانِيًا - أَنْ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَحْضُونِ كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ، فَلاَ حَضَانَةَ لِبَنَاتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ، وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَلَيْسَ هَذَا شَرْطًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِبِنْتِ الْعَمِّ عَلَى الذَّكَرِ الْمُشْتَهَى، وَهُوَ قَوْلٌ نَقَلَهُ ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
ثَالِثًا - أَلاَّ تُقِيمَ الْحَاضِنَةُ بِالْمَحْضُونِ فِي بَيْتِ مَنْ يُبْغِضُ الْمَحْضُونَ وَيَكْرَهُهُ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتِ الأُْمُّ وَأَخَذَتْهُ أُمُّ الأُْمِّ، وَأَقَامَتْ بِالْمَحْضُونِ مَعَ الأُْمِّ فَحِينَئِذٍ تَسْقُطُ حَضَانَةُ أُمِّ الأُْمِّ إِذَا كَانَتْ فِي عِيَالِ زَوْجِ الأُْمِّ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
رَابِعًا - أَلاَّ تَمْتَنِعَ الْحَاضِنَةُ عَنْ إِرْضَاعِ الطِّفْلِ إِذَا كَانَتْ أَهْلاً لَهُ، وَكَانَ مُحْتَاجًا لِلرَّضَاعِ وَهَذَا فِي الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
مَكَانُ الْحَضَانَةِ وَحُكْمُ انْتِقَالِ الْحَاضِنِ أَوِ الْوَلِيِّ:
مَكَانُ الْحَضَانَةِ هُوَ الْمَسْكَنُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ وَالِدُ الْمَحْضُونِ إِذَا كَانَتِ الْحَاضِنَةُ أُمَّهُ وَهِيَ فِي زَوْجِيَّةِ أَبِيهِ، أَوْ فِي عِدَّتِهِ مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ. ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَةَ مُلْزَمَةٌ بِمُتَابَعَةِ زَوْجِهَا وَالإْقَامَةِ مَعَهُ حَيْثُ يُقِيمُ، وَالْمُعْتَدَّةُ يَلْزَمُهَا الْبَقَاءُ فِي مَسْكَنِ الزَّوْجِيَّةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ سَوَاءٌ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ بِدُونِهِ، لقوله تعالى : (لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ).
وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ الأْمِّ فَمَكَانُ الْحَضَانَةِ هُوَ الْبَلَدُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ وَالِدُ الْمَحْضُونِ أَوْ وَلِيُّهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْحَاضِنَةُ غَيْرَ الأْمِّ، لأِنَّ لِلأْبِ حَقَّ رُؤْيَةِ الْمَحْضُونِ، وَالإْشْرَافَ عَلَى تَرْبِيَتِهِ، وَذَلِكَ لاَ يَتَأَتَّى إِلاَّ إِذَا كَانَ الْحَاضِنُ يُقِيمُ فِي بَلَدِ الأْبِ أَوِ الْوَلِيِّ.
هَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَاتُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى.
أَمَّا مَسْأَلَةُ انْتِقَالِ الْحَاضِنِ، أَوِ الْوَلِيِّ إِلَى مَكَان آخَرَ فَفِيهِ اخْتِلاَفُ الْمَذَاهِبِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ كَمَا يَلِي:
يُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - بَيْنَ سَفَرِ الْحَاضِنَةِ، أَوِ الْوَلِيِّ لِلنُّقْلَةِ وَالاِنْقِطَاعِ وَالسُّكْنَى فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَبَيْنَ السَّفَرِ لِحَاجَةٍ كَالتِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ.
فَإِنْ كَانَ سَفَرُ أَحَدِهِمَا (الْحَاضِنَةِ أَوِ الْوَلِيِّ) لِلنُّقْلَةِ وَالاِنْقِطَاعِ سَقَطَتْ حَضَانَةُ الأُْمِّ، وَتَنْتَقِلُ لِمَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْحَضَانَةِ بَعْدَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ آمِنًا، وَالْمَكَانُ الْمُنْتَقِلُ إِلَيْهِ مَأْمُونًا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّغِيرِ، وَالأَْبُ هُوَ الأْوْلَى بِالْمَحْضُونِ سَوَاءٌ أَكَانَ هُوَ الْمُقِيمَ أَمِ الْمُنْتَقِلَ، لأِنَّ الأَْبَ فِي الْعَادَةِ هُوَ الَّذِي يَقُومُ بِتَأْدِيبِ الصَّغِيرِ، وَحِفْظِ نَسَبِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْوَلَدُ فِي بَلَدِ الأْبِ ضَاعَ، لَكِنْ قَيَّدَ الْحَنَابِلَةُ أَوْلَوِيَّةَ الأْبِ بِمَا إِذَا لَمْ يُرِدْ مُضَارَّةَ الأُْمِّ وَانْتِزَاعَ الْوَلَدِ مِنْهَا، فَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ لَمْ يُجَبْ إِلَيْهِ، بَلْ يُعْمَلُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْوَلَدِ. وَإِنْ سَافَرَتِ الأُْمُّ مَعَ الأْبِ بَقِيَتْ عَلَى حَضَانَتِهَا.
هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ مَسَافَةِ السَّفَرِ. فَحَدَّدَهَا الْمَالِكِيَّةُ بِسِتَّةِ بُرُدٍ فَأَكْثَرَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، أَوْ مَسَافَةِ بَرِيدَيْنِ عَلَى قَوْلٍ، وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ التَّحْدِيدُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ قُرْبٌ بِحَيْثُ يَرَاهُمُ الأَْبُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَرَوْنَهُ فَتَكُونُ الأْمُّ عَلَى حَضَانَتِهَا.
وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ لِحَاجَةٍ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ كَانَ الْوَلَدُ مَعَ الْمُقِيمِ مِنْهُمَا حَتَّى يَعُودَ الْمُسَافِرُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّفَرُ طَوِيلاً أَمْ قَصِيرًا، وَكَذَا يَكُونُ الْوَلَدُ مَعَ الْمُقِيمِ لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ أَوِ الْمَكَانُ الْمُنْتَقَلُ إِلَيْهِ غَيْرَ آمِنٍ فِي سَفَرِ النُّقْلَةِ وَالاِنْقِطَاعِ.
وَإِنِ اخْتَلَفَ الأْبُ وَالأْمُّ فَقَالَ الأْبُ: سَفَرِي لِلإْقَامَةِ، وَقَالَتِ الأْمُّ سَفَرُكَ لِلْحَاجَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الأْبِ مَعَ يَمِينِهِ.
وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُقِيمُ الأْمَّ وَكَانَ فِي مُقَامِهِ مَعَهَا مَفْسَدَةٌ أَوْ ضَيَاعُ مَصْلَحَةٍ، كَعَدَمِ تَعْلِيمِ الصَّبِيِّ الْقُرْآنَ، أَوْ حِرْفَةٍ حَيْثُ لاَ يَقُومُ مَقَامَ الأْبِ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَمْكِينُ الأْبِ مِنَ السَّفَرِ بِهِ، لاَ سِيَّمَا إِنِ اخْتَارَهُ الْوَلَدُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ سَفَرُ أَحَدِهِمَا - الْحَاضِنَةِ أَوِ الْوَلِيِّ - لِتِجَارَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ فَلاَ تَسْقُطُ حَضَانَةُ الأُْمِّ، وَتَأْخُذُهُ مَعَهَا إِنْ سَافَرَتْ، وَيَبْقَى مَعَهَا إِنْ سَافَرَ الأَْبُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مَسَافَةُ السَّفَرِ سِتَّةَ بُرُدٍ أَمْ أَقُلَ أَمْ أَكْثَرَ عَلَى مَا قَالَهُ الأَُجْهُورِيُّ وَعَبْدُ الْبَاقِي، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ وَالْخَرَشِيُّ وَالْعَدَوِيُّ: لاَ تَأْخُذُ الْوَلَدَ مَعَهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا كَبَرِيدٍ، فَإِنْ بَعُدَ فَلاَ تَأْخُذُهُ، وَإِنْ كَانَتْ حَضَانَتُهَا بَاقِيَةً.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلأْمِّ الْحَاضِنَةِ الَّتِي فِي زَوْجِيَّةِ الأْبِ أَوْ فِي عِدَّتِهِ الْخُرُوجُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ. أَمَّا إِنْ كَانَتْ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ بِالْمَحْضُونِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فِي الأْحْوَالِ الآْتِيَةِ:
- إِذَا خَرَجَتْ إِلَى بَلْدَةٍ قَرِيبَةٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُ لأِبِيهِ رُؤْيَتُهُ وَالْعَوْدَةُ فِي نَهَارِهِ عَلَى أَلاَّ يَكُونَ الْمَكَانُ الَّذِي انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ أَقَلَّ حَالاً مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي تُقِيمُ فِيهِ حَتَّى لاَ تَتَأَثَّرَ أَخْلاَقُ الصَّبِيِّ.
- إِذَا خَرَجَتْ إِلَى مَكَان بَعِيدٍ مَعَ تَحَقُّقِ الشُّرُوطِ الآْتِيَةِ:
أ - أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ الَّذِي انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ وَطَنَهَا.
ب - أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ قَدْ عَقَدَ نِكَاحَهُ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْبَلَدِ.
ج - أَلاَّ يَكُونَ الْمَكَانُ الَّذِي انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ دَارَ حَرْبٍ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا.
فَإِذَا تَحَقَّقَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ جَازَ لَهَا السَّفَرُ بِالْمَحْضُونِ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ الْبَعِيدِ، لأِنَّ الْمَانِعَ مِنَ السَّفَرِ أَصْلاً هُوَ ضَرَرُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الأْبِ وَبَيْنَ وَلَدِهِ، وَقَدْ رَضِيَ بِهِ لِوُجُودِ دَلِيلِ الرِّضَا وَهُوَ التَّزَوُّجُ بِهَا فِي بَلَدِهَا لأِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي بَلَدِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقِيمُ فِيهِ، وَالْوَلَدُ مِنْ ثَمَرَاتِ النِّكَاحِ فَكَانَ رَاضِيًا بِحَضَانَةِ الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَكَانَ رَاضِيًا بِالتَّفْرِيقِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ بِوَلَدِهَا إِلَى بَلَدِهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَقْدُ النِّكَاحِ قَدْ وَقَعَ فِيهِ، وَلاَ أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ عَقْدُ النِّكَاحِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَلَدَهَا، لأِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الرِّضَا مِنَ الزَّوْجِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الشَّرْطَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الأَْصْلِ، وَاعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ مَكَانَ الْعَقْدِ فَقَطْ.
أَمَّا شَرْطُ أَلاَّ يَكُونَ الْمَكَانُ حَرْبِيًّا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِضْرَارٍ بِالصَّبِيِّ لأِنَّهُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلاَقِ الْكُفَّارِ.
هَذَا إِذَا كَانَتِ الْحَاضِنَةُ هِيَ الأُْمَّ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا فَلاَ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ بِالصَّغِيرِ إِلَى أَيِّ مَكَان إِلاَّ بِإِِذْنِ الأْبِ لِعَدَمِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا
كَمَا يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلأْبِ أَوِ الْوَلِيِّ أَخْذُ الصَّغِيرِ مِمَّنْ لَهُ الْحَضَانَةُ مِنَ النِّسَاءِ وَالاِنْتِقَالُ بِهِ مِنْ بَلَدِ أُمِّهِ بِلاَ رِضَاهَا مَا بَقِيَتْ حَضَانَتُهَا قَائِمَةً، وَلاَ يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ بِانْتِقَالِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ قَرِيبًا أَمْ بَعِيدًا.
أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحَاضِنَةَ لَهَا الْحَقُّ فِي طَلَبِ أُجْرَةٍ عَلَى الْحَضَانَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْحَاضِنَةُ أُمًّا أَمْ غَيْرَهَا، لأِنَّ الْحَضَانَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الأْمِّ، وَلَوِ امْتَنَعَتْ مِنَ الْحَضَانَةِ لَمْ تُجْبَرْ عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ. وَمُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ تَكُونُ فِي مَالِ الْمَحْضُونِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، لأِنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ، الْكِفَايَةِ كَالنَّفَقَةِ. وَالأُْجْرَةُ عَلَى الْحَضَانَةِ لِلأُْمِّ هِيَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، قَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَلَوْ مَعَ وُجُودِ مُتَبَرِّعَةٍ بِالْحَضَانَةِ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَيَّدُوا ذَلِكَ بِمَا إِذَا لَمْ تُوجَدْ مُتَبَرِّعَةٌ، وَلاَ مَنْ تَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ وُجِدَتْ مُتَبَرِّعَةٌ أَوْ وُجِدَتْ مَنْ تَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ سَقَطَتْ حَضَانَةُ الأْمِّ وَقِيلَ: إِنَّ حَضَانَةَ الأْمِّ لاَ تَسْقُطُ وَتَكُونُ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ إِذَا طَلَبَتْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَإِنْ تَبَرَّعَتْ بِهَا أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ رَضِيَتْ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَهَذَا عَلَى مَا بَحَثَهُ أَبُو زُرْعَةَ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْحَاضِنَةُ أُمًّا فِي عِصْمَةِ أَبِي الْمَحْضُونِ أَوْ مُعْتَدَّةً رَجْعِيَّةً مِنْهُ فَلاَ تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عَلَى الْحَضَانَةِ لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهَا دِيَانَةً، لأِنَّهُ يَكُونُ فِي مَعْنَى الرِّشْوَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ أَيْضًا فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ.
وَإِنْ كَانَتِ الْحَاضِنَةُ غَيْرَ الأْمِّ أَوْ كَانَتْ أُمًّا مُطَلَّقَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، أَوْ فِي عِدَّةِ الطَّلاَقِ الْبَائِنِ فِي رِوَايَةٍ، فَإِِنَّهَا تَسْتَحِقُّ الأْجْرَةَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلاَّ فَمِنْ مَالِ أَبِيهِ أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَهَذَا مَا لَمْ تُوجَدْ مُتَبَرِّعَةٌ، فَإِنْ وُجِدَتْ مُتَبَرِّعَةٌ بِالْحَضَانَةِ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَحْرَمٍ لِلْمَحْضُونِ فَإِِنَّ الأْمَّ تُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَلَوْ طَلَبَتْ أَجْرًا، وَيَكُونُ لَهَا أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُتَبَرِّعَةُ مَحْرَمًا لِلْمَحْضُونِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلأْمِّ: إِمَّا أَنْ تُمْسِكِيهِ مَجَّانًا وَإِمَّا أَنْ تَدْفَعِيهِ لِلْمُتَبَرِّعَةِ، لَكِنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ:
أ - إِعْسَارُ الأْبِ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ أَمْ لاَ.
ب - يَسَارُ الأْبِ مَعَ وُجُودِ مَالٍ لِلصَّغِيرِ صَوْنًا لِمَالِ الصَّغِيرِ، لأِنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَكُونُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ.
فَإِنْ كَانَ الأَْبُ مُوسِرًا وَلاَ مَالَ لِلصَّغِيرِ فَتُقَدَّمُ الأْمُّ وَإِنْ طَلَبَتِ الأْجْرَةَ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ أُجْرَةَ عَلَى الْحَضَانَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مَالِكٌ أَوَّلاً: يُنْفَقُ عَلَى الْحَاضِنَةِ مِنْ مَالِ الْمَحْضُونِ، قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَالْخِلاَفُ إِذَا كَانَتِ الْحَاضِنَةُ غَنِيَّةً، أَمَّا إِذَا كَانَتْ فَقِيرَةً فَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الْمَحْضُونِ لِعُسْرِهَا لاَ لِلْحَضَانَةِ.
سُقُوطُ الْحَضَانَةِ وَعَوْدُهَا:
- تَسْقُطُ الْحَضَانَةُ بِوُجُودِ مَانِعٍ مِنْهَا، أَوْ زَوَالِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ اسْتِحْقَاقِهَا، كَأَنْ تَتَزَوَّجَ الْحَاضِنَةُ بِأَجْنَبِيٍّ عَنِ الْمَحْضُونِ، وَكَأَنْ يُصَابَ الْحَاضِنُ بِآفَةٍ كَالْجُنُونِ وَالْعَتَهِ، أَوْ يَلْحَقَهُ مَرَضٌ يَضُرُّ بِالْمَحْضُونِ كَالْجُذَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ، أَوْ بِسَبَبِ سَفَرِ الْوَلِيِّ أَوِ الْحَاضِنِ حَسَبَ مَا هُوَ مُبِينٌ فِي مَكَانِهِ.
وَقَدْ تَسْقُطُ الْحَضَانَةُ بِسَبَبِ إِِسْقَاطِ الْمُسْتَحِقِّ لَهَا.
كَذَلِكَ إِذَا أَسْقَطَ الْحَاضِنُ حَقَّهُ ثُمَّ عَادَ وَطَلَبَ أُجِيبَ إِلَى طَلَبِهِ، لأِنَّهُ حَقٌّ يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ كَالنَّفَقَةِ.
وَإِذَا امْتَنَعَتِ الْحَضَانَةُ لِمَانِعٍ ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ كَأَنْ عَقَلَ الْمَجْنُونُ، أَوْ تَابَ الْفَاسِقُ، أَوْ شُفِيَ الْمَرِيضُ.. عَادَ حَقُّ الْحَضَانَةِ، لأِنَّ سَبِيلَهَا قَائِمٌ وَأَنَّهَا امْتَنَعَتْ لِمَانِعٍ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْحَقُّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ الْمُلاَزِمِ طِبْقًا لِلْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ (إِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْمَمْنُوعُ). وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ التَّفْصِيلاَتِ.
فَقَالَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ يَعُودُ بِطَلاَقِ الْمَنْكُوحَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَوْرَ الطَّلاَقِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بَائِنًا أَمْ رَجْعِيًّا دُونَ انْتِظَارِ انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُزَنِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ يَعُودُ فَوْرَ الطَّلاَقِ الْبَائِنِ أَمَّا الطَّلاَقُ الرَّجْعِيُّ فَلاَ يَعُودُ حَقُّ الْحَضَانَةِ بَعْدَهُ إِلاَّ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِِنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ زَوَالِ الْحَضَانَةِ لِعُذْرٍ اضْطِرَارِيٍّ وَبَيْنَ زَوَالِهَا لِعُذْرٍ اخْتِيَارِيٍّ. فَإِذَا سَقَطَتِ الْحَضَانَةُ لِعُذْرٍ اضْطِرَارِيٍّ لاَ يَقْدِرُ مَعَهُ الْحَاضِنُ عَلَى الْقِيَامِ بِحَالِ الْمَحْضُونِ كَمَرَضِ الْحَاضِنِ أَوْ سَفَرِ الْوَلِيِّ بِالْمَحْضُونِ سَفَرَ نُقْلَةٍ، أَوْ سَفَرِ الْحَاضِنَةِ لأِدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ، ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ بِشِفَاءِ الْحَاضِنَةِ مِنَ الْمَرَضِ، أَوْ عَوْدَةِ الْوَلِيِّ مِنَ السَّفَرِ، أَوْ عَوْدَتِهَا مِنْ أَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ، عَادَتِ الْحَضَانَةُ لِلْحَاضِنِ، لأِنَّ الْمَانِعَ كَانَ هُوَ الْعُذْرَ الاِضْطِرَارِيَّ وَقَدْ زَالَ، وَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْمَمْنُوعُ.
وَإِذَا زَالَتِ الْحَضَانَةُ لِمَانِعٍ اخْتِيَارِيٍّ كَأَنْ تَتَزَوَّجَ الْحَاضِنَةُ بِأَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ ثُمَّ طَلُقَتْ، أَوْ أَسْقَطَتِ الْحَاضِنَةُ حَقَّهَا فِي الْحَضَانَةِ بِإِِرَادَتِهَا دُونَ عُذْرٍ، ثُمَّ أَرَادَتِ الْعَوْدَ لِلْحَضَانَةِ.
فَلاَ تَعُودُ الْحَضَانَةُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَضَانَةَ حَقٌّ لِلْحَاضِنِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَعُودُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَضَانَةَ حَقُّ الْمَحْضُونِ.
لَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا كَانَتِ الْحَضَانَةُ لاَ تَعُودُ لِلْمُطَلَّقَةِ إِلاَّ أَنَّهُ مِنْ حَقِّ مَنِ انْتَقَلَتْ لَهُ الْحَضَانَةُ رَدُّ الْمَحْضُونِ لِمَنِ انْتَقَلَتْ عَنْهُ الْحَضَانَةُ، فَإِنْ كَانَ الرَّدُّ لِلأْمِّ فَلاَ مَقَالَ لِلأْبِ، لأِنَّهُ نَقْلٌ لِمَا هُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ لأِخْتِهَا مَثَلاً فَلِلأْبِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ، فَمَعْنَى أَنَّ الْحَضَانَةَ لاَ تَعُودُ، أَيْ لاَ تُجْبَرُ مَنِ انْتَقَلَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ عَلَى رَدِّ الْمَحْضُونِ، وَلَهَا الرَّدُّ بِاخْتِيَارِهَا.
انْتِهَاءُ الْحَضَانَةِ:
- مِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ النِّسَاءَ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنَ الرِّجَالِ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَنَّ الْحَضَانَةَ عَلَى الصِّغَارِ تَبْدَأُ مُنْذُ الْوِلاَدَةِ، لَكِنَّ إِنْهَاءَ حَضَانَةِ النِّسَاءِ عَلَى الصِّغَارِ حَالَ افْتِرَاقِ الزَّوْجَيْنِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ حَضَانَةَ النِّسَاءِ عَلَى الذَّكَرِ تَظَلُّ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْ رِعَايَةِ النِّسَاءِ لَهُ فَيَأْكُلُ وَحْدَهُ، وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ، وَيَلْبَسُ وَحْدَهُ، وَقُدِّرَ ذَلِكَ بِسَبْعِ سِنِينَ - وَبِهِ يُفْتَى - لأِنَّ الْغَالِبَ الاِسْتِغْنَاءُ عَنِ الْحَضَانَةِ فِي هَذِهِ السِّنِّ، وَقِيلَ تِسْعُ سِنِينَ.
وَتَظَلُّ الْحَضَانَةُ عَلَى الأْنْثَى قَائِمَةً حَتَّى تَبْلُغَ بِالْحَيْضِ أَوِ الاِحْتِلاَمِ أَوِ السِّنِّ، وَهَذَا كَمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إِنْ كَانَتِ الْحَاضِنَةُ الأُْمَّ أَوِ الْجَدَّةَ، أَمَّا غَيْرُ الأْمِّ وَالْجَدَّةِ فَإِنَّهُنَّ أَحَقُّ بِالصَّغِيرَةِ حَتَّى تُشْتَهَى، وَقُدِّرَ بِتِسْعِ سِنِينَ وَبِهِ يُفْتَى.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الأُْمِّ وَالْجَدَّةِ كَالْحُكْمِ فِي غَيْرِهِمَا، فَتَنْتَهِي حَضَانَةُ النِّسَاءِ مُطْلَقًا - أُمًّا أَوْ غَيْرَهَا - عَلَى الصَّغِيرَةِ عِنْدَ بُلُوغِهَا حَدَّ الاِشْتِهَاءِ الَّذِي قُدِّرَ بِتِسْعِ سِنِينَ، وَالْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ.
فَإِذَا انْقَضَتْ حَضَانَةُ النِّسَاءِ فَلاَ يُخَيَّرُ الْمَحْضُونُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بَلْ يُضَمُّ إِلَى الأْبِ، لأِنَّهُ لِقُصُورِ عَقْلِهِ يَخْتَارُ مَنْ عِنْدَهُ اللَّعِبُ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم خَيَّرُوا وَتَظَلُّ وِلاَيَةُ الأْبِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إِلَى الْبُلُوغِ، فَإِذَا بَلَغَ الْغُلاَمُ مُسْتَغْنِيًا بِرَأْيِهِ مَأْمُونًا عَلَيْهِ فَيُخَيَّرُ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْمُقَامِ مَعَ وَلِيِّهِ، أَوْ مَعَ حَاضِنَتِهِ، أَوِ الاِنْفِرَادِ بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ الأُْنْثَى إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ كَانَتْ بِكْرًا طَاعِنَةً فِي السِّنِّ وَلَهَا رَأْيٌ، فَإِِنَّهَا تُخَيَّرُ كَمَا يُخَيَّرُ الْغُلاَمُ.
وَإِنْ كَانَ الْغُلاَمُ أَوِ الثَّيِّبُ أَوِ الْبِكْرُ الطَّاعِنَةُ فِي السِّنِّ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِمْ لَوِ انْفَرَدُوا بِأَنْفُسِهِمْ بَقِيَتْ وِلاَيَةُ الأْبِ عَلَيْهِمْ، كَمَا تَبْقَى الْوِلاَيَةُ عَلَى الْبِكْرِ إِذَا كَانَتْ حَدِيثَةَ السِّنِّ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعْتُوهِ تَبْقَى وِلاَيَةُ الأْبِ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَعْقِلَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ حَضَانَةَ النِّسَاءِ عَلَى الذَّكَرِ تَسْتَمِرُّ إِلَى بُلُوغِهِ وَتَنْقَطِعُ حَضَانَتُهُ بِالْبُلُوغِ وَلَوْ مَرِيضًا أَوْ مَجْنُونًا عَلَى الْمَشْهُورِ.
أَمَّا الْحَضَانَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلأْنْثَى فَتَسْتَمِرُّ إِلَى زَوَاجِهَا وَدُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا.
وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: أَمَدُ الْحَضَانَةِ عَلَى الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ عَاقِلاً غَيْرَ زَمِنٍ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَسْتَمِرُّ الْحَضَانَةُ عَلَى الْمَحْضُونِ حَتَّى التَّمْيِيزِ ذَكَرًا كَانَ الْمَحْضُونُ أَوْ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَ حَدَّ التَّمْيِيزِ - وَقُدِّرَ بِسَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ غَالِبًا - فَإِِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَإِِنِ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا دُفِعَ إِلَيْهِ، وَإِذَا عَادَ وَاخْتَارَ الثَّانِيَ نُقِلَ إِلَيْهِ، وَهَكَذَا كُلَّمَا تَغَيَّرَ اخْتِيَارُهُ، لأِنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ حَالُ الْحَاضِنِ، أَوْ يَتَغَيَّرُ رَأْيُ الْمَحْضُونِ فِيهِ بَعْدَ الاِخْتِيَارِ، إِلاَّ إِنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِحَيْثُ يُظَنُّ أَنَّ سَبَبَهُ قِلَّةُ تَمْيِيزِهِ، فَإِِنَّهُ يُجْعَلُ عِنْدَ الأْمِّ وَيُلْغَى اخْتِيَارُهُ.
وَإِِنِ امْتَنَعَ الْمَحْضُونُ عَنِ الاِخْتِيَارِ فَالأُْمُّ أَوْلَى، لأِنَّهَا أَشْفَقُ، وَاسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ، وَقِيلَ:
يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِنِ اخْتَارَهُمَا مَعًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَإِِنِ امْتَنَعَ الْمُخْتَارُ مِنْ كَفَالَتِهِ كَفَلَهُ الآْخَرُ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا أُعِيدَ التَّخْيِيرُ، وَإِنِ امْتَنَعَا وَبَعْدَهُمَا مُسْتَحِقَّانِ لِلْحَضَّانَةِ كَجَدٍّ وَجَدَّةٍ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا، وَإِلاَّ أُجْبِرَ عَلَيْهَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَتَظَلُّ الْوِلاَيَةُ عَلَيْهِ لِمَنْ بَقِيَ عِنْدَهُ إِلَى الْبُلُوغِ. فَإِنْ بَلَغَ، فَإِنْ كَانَ غُلاَمًا وَبَلَغَ رَشِيدًا وَلِيَ أَمْرَ نَفْسِهِ لاِسْتِغْنَائِهِ عَمَّنْ يَكْفُلُهُ فَلاَ يُجْبَرُ عَلَى الإْقَامَةِ عِنْدَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَالأْوْلَى أَنْ لاَ يُفَارِقَهُمَا لِيَبَرَّهُمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَعِنْدَ الأْبِ أَوْلَى لِلْمُجَانَسَةِ، نِعْمَ إِنْ كَانَ أَمْرَدَ أَوْ خِيفَ مِنِ انْفِرَادِهِ فَفِي كِتَابِ الْعُدَّةِ لاِبْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ مُفَارَقَةِ الأَْبَوَيْنِ.
وَلَوْ بَلَغَ عَاقِلاً غَيْرَ رَشِيدٍ فَأَطْلَقَ مُطْلِقُونَ أَنَّهُ كَالصَّبِيِّ، وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: إِنْ كَانَ لِعَدَمِ إِِصْلاَحِ مَالِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِدِينِهِ فَقِيلَ: تُدَامُ حَضَانَتُهُ إِلَى ارْتِفَاعِ الْحَجْرِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَسْكُنُ حَيْثُ شَاءَ.
وَإِنْ كَانَ أُنْثَى، فَإِنْ بَلَغَتْ رَشِيدَةً فَالأْوْلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ إِنْ كَانَا مُفْتَرِقَيْنِ، وَبَيْنَهُمَا إِنْ كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ، لأِنَّهُ أَبْعَدُ عَنِ التُّهْمَةِ، وَلَهَا أَنْ تَسْكُنَ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، هَذَا إِذَا لَمْ تَكُنْ رِيبَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ هُنَاكَ رِيبَةٌ فَلِلأْمِّ إِسْكَانُهَا مَعَهَا، وَكَذَا لِلْوَلِيِّ مِنَ الْعَصَبَةِ إِسْكَانُهَا مَعَهُ إِذَا كَانَ مَحْرَمًا لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا لَهَا فَيُسْكِنُهَا فِي مَوْضِعٍ لاَئِقٍ بِهَا وَيُلاَحِظُهَا دَفْعًا لِعَارِ النَّسَبِ.
وَإِنْ بَلَغَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ فَفِيهَا التَّفْصِيلُ الَّذِي قِيلَ فِي الْغُلاَمِ.
أَمَّا الْمَجْنُونُ وَالْمَعْتُوهُ فَلاَ يُخَيَّرُ وَتَظَلُّ الْحَضَانَةُ عَلَيْهِ لأِمِّهِ إِلَى الإْفَاقَةِ.
وَالْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْغُلاَمِ أَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ حَاضِنَتِهِ حَتَّى يَبْلُغَ سِنَّ السَّابِعَةِ فَإِنِ اتَّفَقَ أَبَوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا جَازَ، لأِنَّ الْحَقَّ فِي حَضَانَتِهِ إِلَيْهِمَا، وَإِنْ تَنَازَعَا خَيَّرَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فَكَانَ مَعَ مَنِ اخْتَارَ مِنْهُمَا، قَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ رضى الله عنه وَرَوَاهُ سَعِيدٌ وَعَلِيٌّ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ وَقَدْ نَفَعَنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ».
وَلأِنَّهُ إِذَا مَالَ إِلَى أَحَدِ أَبَوَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ وَأَشْفَقُ، وَقَيَّدَ بِالسَّبْعِ لأِنَّهَا أَوَّلُ حَالِ أَمْرِ الشَّرْعِ فِيهَا بِمُخَاطَبَتِهِ بِالصَّلاَةِ، بِخِلاَفِ الأْمِّ فَإِنَّهَا قُدِّمَتْ فِي حَالِ الصِّغَرِ لِحَاجَتِهِ وَمُبَاشَرَةِ خِدْمَتِهِ لأِنَّهَا أَعْرَفُ بِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: التَّخْيِيرُ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ السَّلاَمَةِ مِنْ فَسَادٍ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا لِيُمَكِّنَهُ مِنْ فَسَادٍ وَيَكْرَهُ الآْخَرَ لِلتَّأْدِيبِ لَمْ يُعْمَلْ بِمُقْتَضَى شَهْوَتِهِ، لأِنَّ ذَلِكَ إِضَاعَةٌ لَهُ. وَيَكُونُ الْغُلاَمُ عِنْدَ مَنْ يَخْتَارُ فَإِنْ عَادَ فَاخْتَارَ الآْخَرَ نُقِلَ إِلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَاخْتَارَ الأْوَّلَ رُدَّ إِلَيْهِ هَكَذَا أَبَدًا، لأِنَّ هَذَا اخْتِيَارُ تَشَهٍّ، وَقَدْ يَشْتَهِي أَحَدَهُمَا فِي وَقْتٍ دُونَ آخَرَ فَاتُّبِعَ بِمَا يَشْتَهِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أَحَدَهُمَا أَوِ اخْتَارَهُمَا مَعًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، لأِنَّهُ لاَ مَزِيَّةَ لأَِحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ، ثُمَّ إِِنِ اخْتَارَ غَيْرَ مَنْ قُدِّمَ بِالْقُرْعَةِ رُدَّ إِلَيْهِ، وَلاَ يُخَيَّرُ إِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ، لأِنَّ مَنْ لَيْسَ أَهْلاً لِلْحَضَانَةِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَإِلاَّ اخْتَارَ أَبَاهُ ثُمَّ زَالَ عَقْلُهُ رُدَّ إِلَى الأُْمِّ لِحَاجَتِهِ إِلَى مَنْ يَتَعَهَّدُهُ كَالصَّغِيرِ وَبَطَلَ اخْتِيَارُهُ، لأِنَّهُ لاَ حُكْمَ لِكَلاَمِهِ.
أَمَّا الأْنْثَى فَإِنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ سَبْعَ سِنِينَ فَلاَ تُخَيَّرُ وَإِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ الأْبِ وُجُوبًا إِلَى الْبُلُوغِ، وَبَعْدَ الْبُلُوغِ تَكُونُ عِنْدَهُ أَيْضًا إِلَى الزِّفَافِ وُجُوبًا، وَلَوْ تَبَرَّعَتِ الأُْمُّ بِحَضَانَتِهَا، لأِنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْحَضَانَةِ الْحِفْظُ، وَالأْبُ أَحْفَظُ لَهَا، وَإِنَّمَا تُخْطَبُ مِنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ نَظَرِهِ لِيُؤْمَنَ عَلَيْهَا مِنْ دُخُولِ الْفَسَادِ لِكَوْنِهَا مُعَرَّضَةً لِلآْفَاتِ لاَ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا لِلاِنْخِدَاعِ لِغِرَّتِهَا.
وَالْمَعْتُوهُ وَلَوْ أُنْثَى يَكُونُ عِنْدَ أُمِّهِ وَلَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِحَاجَتِهِ إِلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ، وَالنِّسَاءُ أَعْرَفُ بِذَلِكَ.
رُؤْيَةُ الْمَحْضُونِ.
- لِكُلٍّ مِنْ أَبَوَيِ الْمَحْضُونِ إِذَا افْتَرَقَا حَقُّ رُؤْيَتِهِ وَزِيَارَتِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، لَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي بَعْضِ التَّفَاصِيلِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
يَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْمَحْضُونَ إِنْ كَانَ أُنْثَى فَإِنَّهَا تَكُونُ عِنْدَ حَاضِنِهَا - أُمًّا أَوْ أَبًا - لَيْلاً وَنَهَارًا، لأِنَّ تَأْدِيبَهَا وَتَعْلِيمَهَا يَكُونُ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَلاَ حَاجَةَ بِهَا إِلَى الإْخْرَاجِ، وَلاَ يُمْنَعُ أَحَدُ الأْبَوَيْنِ مِنْ زِيَارَتِهَا عِنْدَ الآْخَرِ، لأِنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ فِيهِ حَمْلٌ عَلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَلاَ يُطِيلُ الزَّائِرُ الْمُقَامَ، لأِنَّ الأْمَّ بِالْبَيْنُونَةِ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، وَالْوَرَعُ إِذَا زَارَتِ الأْمُّ ابْنَتَهَا أَنْ تَتَحَرَّى أَوْقَاتِ خُرُوجِ أَبِيهَا إِلَى مَعَاشِهِ. وَإِذَا لَمْ يَأْذَنْ زَوْجُ الأُْمِّ بِدُخُولِ الأْبِ أَخْرَجَتْهَا إِلَيْهِ لِيَرَاهَا، وَيَتَفَقَّدَ أَحْوَالَهَا، وَإِذَا بَخِلَ الأَْبُ بِدُخُولِ الأُْمِّ إِلَى مَنْزِلِهِ أَخْرَجَهَا إِلَيْهَا لِتَرَاهَا، وَلَهُ مَنْعُ الْبِنْتِ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهَا إِذَا خُشِيَ الضَّرَرُ حِفْظًا لَهَا. وَالزِّيَارَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَكُونُ مَرَّةً كُلَّ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ لاَ فِي كُلِّ يَوْمٍ. وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَزُورَهَا كُلَّ يَوْمٍ إِذَا كَانَ الْبَيْتُ قَرِيبًا كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَكُونُ الزِّيَارَةُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَالْيَوْمِ فِي الأْسْبُوعِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَحْضُونُ ذَكَرًا، فَإِنْ كَانَ عِنْدَ أَبِيهِ كَانَ عِنْدَهُ لَيْلاً وَنَهَارًا، وَلاَ يَمْنَعُهُ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهِ، لأِنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ إِغْرَاءٌ بِالْعُقُوقِ وَقَطْعِ الرَّحِمِ، وَلاَ يُكَلِّفُ الأْمَّ الْخُرُوجَ لِزِيَارَتِهِ، وَالْوَلَدُ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ، لأِنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. وَلَوْ أَرَادَتِ الأْمُّ زِيَارَتَهُ فَلاَ يَمْنَعُهَا الأْبُ مِنْ ذَلِكَ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ الرَّحِمِ، لَكِنْ لاَ تُطِيلُ الْمُكْثَ، وَإِنْ بَخِلَ الأَبُ بِدُخُولِهَا إِلَى مَنْزِلِهِ أَخْرَجَهُ إِلَيْهَا، وَالزِّيَارَةُ تَكُونُ مَرَّةً كُلَّ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَر، فَإِنْ كَانَ مَنْزِلُ الأْمِّ قَرِيبًا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَزُورَهَا الاِبْنُ كُلَّ يَوْمٍ، كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَكَمَا سَبَقَ تَكُونُ الزِّيَارَةُ كُلَّ أُسْبُوعٍ.
وَإِنْ كَانَ الْمَحْضُونُ الذَّكَرُ عِنْدَ أُمِّهِ كَانَ عِنْدَهَا لَيْلاً، وَعِنْدَ الأْبِ نَهَارًا لِتَعْلِيمِهِ وَتَأْدِيبِهِ.
وَإِنْ مَرِضَ الْوَلَدُ كَانَتِ الأُْمُّ أَحَقَّ بِالتَّمْرِيضِ فِي بَيْتِ الأْبِ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ وَرَضِيَ بِذَلِكَ، وَإِلاَّ فَفِي بَيْتِهَا يَكُونُ التَّمْرِيضُ، وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَكُونُ التَّمْرِيضُ فِي بَيْتِهَا وَيَزُورُهُ الأَْبُ إِنْ كَانَ التَّمْرِيضُ عِنْدَ الأْمِّ مَعَ الاِحْتِرَازِ مِنَ الْخَلْوَةِ.
وَإِنْ مَرِضَ أَحَدُ الأْبَوَيْنِ وَالْوَلَدُ عِنْدَ الآْخَرِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ عِيَادَتِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى.
وَإِنْ مَرِضَتِ الأْمُّ لَزِمَ الأْبَ أَنْ يُمَكِّنَ الأْنْثَى مِنْ تَمْرِيضِهَا إِنْ أَحْسَنَتْ ذَلِكَ، بِخِلاَفِ الذَّكَرِ لاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ أَحْسَن التَّمْرِيضَ، وَذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ. وَيَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْوَلَدَ مَتَى كَانَ عِنْدَ أَحَدِ الأْبَوَيْنِ فَلاَ يُمْنَعُ الآْخَرُ مِنْ رُؤْيَتِهِ إِلَيْهِ وَتَعَهُّدِهِ إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ.
وَلاَ يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى إِرْسَالِهِ إِلَى مَكَانِ الآْخَرِ، بَلْ يُخْرِجُهُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى مَكَان يُمْكِنُ لِلآْخَرِ أَنْ يَرَاهُ فِيهِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ الْمَحْضُونُ عِنْدَ الأُْمِّ فَلاَ تَمْنَعُهُ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى أَبِيهِ يَتَعَهَّدُهُ وَيُعَلِّمُهُ، ثُمَّ يَأْوِي إِلَى أُمِّهِ يَبِيتُ عِنْدَهَا. وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الأْبِ فَلَهَا الْحَقُّ فِي رُؤْيَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ فِي بَيْتِهَا لِتَفَقُّدِ حَالِهِ. وَلَوْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ فَلاَ يَمْنَعُهَا زَوْجُهَا مِنْ دُخُولِ وَلَدِهَا فِي بَيْتِهَا، وَيُقْضَى لَهَا بِذَلِكَ إِنْ مَنَعَهَا.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع عشر ، الصفحة / 299
اختلاف الدين الْحَضَانَةُ:
لِلْفُقَهَاءِ فِي أَثَرِ اخْتِلاَفِ الدِّينِ فِي إِسْقَاطِ حَقِّ الْحَضَانَةِ ثَلاَثُ اتِّجَاهَاتٍ: فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحَضَانَةَ لاَ تَثْبُتُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ الْكَافِرُ أُمًّا، وَتَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ أَثَرَ لاِخْتِلاَفِ الدِّينِ فِي إِسْقَاطِ حَقِّ الْحَضَانَةِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ الْحَاضِنُ كَافِرًا مَجُوسِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَكَانَ الْمَحْضُونُ مُسْلِمًا. وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْحَاضِنُ، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. فَإِنْ خِيفَ عَلَى الْمَحْضُونِ مِنَ الْحَاضِنِ فَسَادٌ، كَأَنْ يُغَذِّيَهُ بِلَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ خَمْرٍ، ضُمَّ إِلَى مُسْلِمٍ لِيَكُونَ رَقِيبًا عَلَيْهِ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْهُ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ حَضَانَةِ النِّسَاءِ وَحَضَانَةِ الرِّجَالِ، فَلاَ يُشْتَرَطُ عِنْدَهُمُ اتِّحَادُ الدِّينِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ الْحَاضِنَةِ وَبَيْنَ الْمَحْضُونِ. كَذَا فِي بَدَائِعِ الصَّنَائِعِ نَقْلاً عَنِ الأَْصْلِ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الشَّفَقَةَ عَلَى الْمَحْضُونِ الْمَطْلُوبَةَ لاَ تَخْتَلِفُ فِي الْحَاضِنَةِ بِاخْتِلاَفِ الدِّينِ. قَالَ: وَكَانَ الرَّازِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ بِالنِّسْبَةِ لِحَضَانَةِ الأْمِّ إِذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً وَوَلَدُهَا مُسْلِمٌ: إِنَّهَا أَحَقُّ بِالصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ حَتَّى يَعْقِلاَ. فَإِذَا عَقَلاَ سَقَطَ حَقُّهَا لأِنَّهَا تُعَوِّدُهُمَا أَخْلاَقَ الْكَفَرَةِ. وَقَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِسَبْعِ سِنِينَ. وَإِنْ خِيفَ مِنْهَا أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ يُنْزَعُ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ.
أَمَّا حَضَانَةُ الرَّجُلِ فَيَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ اخْتِلاَفُ الدِّينِ، فَلاَ حَقَّ لِلْعَصَبَةِ فِي حَضَانَةِ الصَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى دِينِهِ، لأِنَّ هَذَا الْحَقَّ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ لِلْعَصَبَةِ، وَاخْتِلاَفُ الدِّينِ يَمْنَعُ التَّعْصِيبَ، فَلَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ الْيَهُودِيِّ أَخَوَانِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالآْخَرُ يَهُودِيٌّ فَحَضَانَتُهُ لأِخِيهِ الْيَهُودِيِّ لأِنَّهُ عَصَبَتُهُ. الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني، الصفحة / 310
حَضَانَةُ الْجَدِّ :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَرْتِيبِ الْجَدِّ فِي الْحَضَانَةِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَرْتِيبَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ حَضَانَةِ الْحَفِيدِ يَأْتِي بَعْدَ الأْبِ مُبَاشَرَةً، لأِنَّهُ كَالأْبِ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ كَذَلِكَ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ بَعْدَ الأْخِ الشَّقِيقِ، ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَهُ الأْخُ لأِمٍّ، ثُمَّ الأْخُ لأِبٍ.
حَقُّ الْجَدَّةِ بِالْحَضَانَةِ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالْحَضَانَةِ بَعْدَ الأْمِّ سَوَاءٌ مَاتَتْ أَوْ نَكَحَتْ أَجْنَبِيًّا أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى - أَيْ جَدَّةُ الطِّفْلِ لأِمِّهِ - وَإِنْ عَلَتْ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَنْتَقِلُ الْحَضَانَةُ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَضَانَةَ تَنْتَقِلُ بَعْدَ الْجَدَّةِ لأِمٍّ إِلَى الْجَدَّاتِ لأَِبٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الأْخَوَاتِ ثُمَّ الْخَالاَتِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَضَانَةَ تَنْتَقِلُ إِلَى الْخَالاَتِ ثُمَّ الْجَدَّاتِ مِنْ جِهَةِ الأْبِ ثُمَّ الأْخَوَاتِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ إِلَى تَقْدِيمِ الْجَدَّاتِ لأِبٍ عَلَى الأْخَوَاتِ وَالْخَالاَتِ، وَفِي الْقَدِيمِ إِلَى تَأْخِيرِهِنَّ عَنِ الأْخَوَاتِ وَالْخَالاَتِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحَضَانَةَ تَنْتَقِلُ بَعْدَ أُمِّ الأْمِّ إِلَى الأْبِ، ثُمَّ إِلَى أُمَّهَاتِهِ، ثُمَّ إِلَى الأْخَوَاتِ وَالْخَالاَتِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِتَقْدِيمِ أُمِّ الأْمِّ بِمَا قَضَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فِي عَاصِمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَدْ طَلَّقَ عُمَرُ زَوْجَتَهُ وَلَهُ مِنْهَا عَاصِمٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ، وَكَانَ لَهَا أُمٌّ فَقَبَضَتْ عَاصِمًا عِنْدَهَا، فَخَاصَمَهَا عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَضَى لِجَدَّتِهِ (أُمِّ أُمِّهِ) بِالْحَضَانَةِ وَقَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ وَأَطَعْتُ. الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس عشر ، الصفحة / 115
تَخْيِيرُ الطِّفْلِ فِي الْحَضَانَةِ:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى تَخْيِيرِ الْمَحْضُونِ بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ إِذَا تَنَازَعَا فِيهِ عَلَى مَا يَأْتِي مِنَ التَّفْصِيلِ، فَيُلْحَقُ بِأَيِّهِمَا اخْتَارَ. فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَحْضُونُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا جَازَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَبْقَى التَّخْيِيرُ وَإِنْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ قَبْلَ التَّخْيِيرِ - خِلاَفًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ - وَلاَ فَرْقَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يُخَيَّرُ الْغُلاَمُ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ عَاقِلاً؛ لأَِنَّهَا السِّنُّ الَّتِي أَمَرَ الشَّرْعُ فِيهَا بِمُخَاطَبَتِهِ بِالصَّلاَةِ. وَحَدَّهُ الشَّافِعِيَّةُ بِالتَّمْيِيزِ بِأَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ، وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا بُلُوغَهُ السَّابِعَةَ حَدًّا، فَلَوْ جَاوَزَ السَّبْعَ بِلاَ تَمْيِيزٍ بَقِيَ عِنْدَ أُمِّهِ، وَلاَ فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى. وَهَذَا يُخَالِفُ فِي ظَاهِرِهِ مَا وَرَدَ مِنْ أَمْرِهِ بِالصَّلاَةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، وَعَدَمُ أَمْرِهِ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهَا وَإِنْ مَيَّزَ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي أَمْرِهِ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ السَّبْعِ مَشَقَّةً، فَخَفَّفَ عَنْهُ ذَلِكَ. بِخِلاَفِ الْحَضَانَةِ؛ لأَِنَّ الْمَدَارَ فِي التَّخْيِيرِ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا فِيهِ صَلاَحُ نَفْسِهِ وَعَدَمِهِ، فَيُقَيَّدُ بِالتَّمْيِيزِ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزِ السَّبْعَ.
وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأْنْثَى، فَيُخَيَّرُ الصَّبِيُّ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، أَمَّا الْبِنْتُ فَتَكُونُ فِي حَضَانَةِ وَالِدِهَا إِذَا تَمَّ لَهَا سَبْعُ سِنِينَ، حَتَّى سِنِّ الْبُلُوغِ، وَبَعْدَ الْبُلُوغِ تَكُونُ عِنْدَ الأَْبِ أَيْضًا إِلَى الزِّفَافِ وُجُوبًا، وَلَوْ تَبَرَّعَتِ الأُْمُّ بِحَضَانَتِهَا؛ لأِنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْحَضَانَةِ الْحِفْظُ، وَالأَْبُ أَحْفَظُ لَهَا. وَلأَِنَّهَا تُخْطَبُ مِنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ نَظَرِهِ .
وَالتَّخْيِيرُ فِي الْحَضَانَةِ مَشْرُوطٌ بِالسَّلاَمَةِ مِنَ الْفَسَادِ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا لِيُمَكِّنَهُ مِنَ الْفَسَادِ، وَيَكْرَهُ الآْخَرَ لِمَا سَيُلْزِمُهُ بِهِ مِنْ أَدَبٍ، لَمْ يُعْمَلْ بِمُقْتَضَى اخْتِيَارِهِ؛ لأِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشَّهْوَةِ، فَيَكُونُ فِيهِ إِضَاعَةٌ لَهُ.
كَمَا أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَظْهَرَ لِلْحَاكِمِ مَعْرِفَتُهُ بِأَسْبَابِ الاِخْتِيَارِ.
وَدَلِيلُ التَّخْيِيرِ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه - قَالَ: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ وَنَفَعَنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَذَا أَبُوكِ وَهَذِهِ أُمُّكِ، فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ»
وَمَا وَرَدَ مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ بِذَلِكَ.
وَمِنْ أَحْكَامِ التَّخْيِيرِ: أَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ الْمُخْتَارُ مِنْ كَفَالَةِ الْمَحْضُونِ كَفَلَهُ الآْخَرُ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُمْتَنِعُ مِنْهَا أُعِيدَ التَّخْيِيرُ.
وَإِنِ امْتَنَعَا أَيِ الأْبُ وَالأْمُّ، خُيِّرَ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ، وَإِلاَّ أُجْبِرَ عَلَيْهَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ لأِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَفَالَةِ .
وَمِنْ أَحْكَامِهِ كَذَلِكَ أَنَّ الْمُمَيِّزَ الَّذِي لاَ أَبَ لَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أُمٍّ وَإِنْ عَلَتْ وَجَدٍّ وَإِنْ عَلاَ، عِنْدَ فَقْدِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ، أَوْ قِيَامِ مَانِعٍ بِهِ لِوُجُودِ الْوِلاَدَةِ فِي الْكُلِّ.
وَمِنْ أَحْكَامِهِ كَذَلِكَ أَنَّ الْمُمَيِّزَ إِنْ اخْتَارَ أَحَدَ الأَْبَوَيْنِ، ثُمَّ اخْتَارَ الآْخَرَ حُوِّلَ إِلَيْهِ؛ لأِنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ الأْمْرُ عَلَى خِلاَفِ مَا ظَنَّهُ، أَوْ يَتَغَيَّرُ حَالُ مَنِ اخْتَارَهُ أَوَّلاً. إِلاَّ إِذَا ظَهَرَ أَنَّ سَبَبَ اخْتِيَارِهِ لِلآْخَرِ قِلَّةُ عَقْلِهِ، فَيُجْعَلُ عِنْدَ أُمِّهِ وَإِنْ بَلَغَ، كَمَا قَبْلَ التَّمْيِيزِ.
وَمِنَ الأْحْكَامِ كَذَلِكَ: أَنَّ الْمَحْضُونَ إِذَا اخْتَارَ أَبَوَيْهِ مَعًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا لاِنْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَخْتَرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الأْمُّ أَوْلَى؛ لأَِنَّهَا أَشْفَقُ وَاسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا؛ لأِنَّهُ لاَ أَوْلَوِيَّةَ حِينَئِذٍ لأَِحَدِهِمَا، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ. فَإِذَا اخْتَارَ الْمَحْضُونُ غَيْرَ مَنْ قُدِّمَ بِالْقُرْعَةِ رُدَّ إِلَيْهِ، كَمَا لَوِ اخْتَارَهُ ابْتِدَاءً.
وَلاَ يُخَيَّرُ الْغُلاَمُ إِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ أَهْلٍ فَيَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْغُلاَمُ عِنْدَ الآْخَرِ. وَإِنِ اخْتَارَ ابْنُ سَبْعٍ أَبَاهُ ثُمَّ زَالَ عَقْلُهُ رُدَّ إِلَى الأُْمِّ؛ لِحَاجَتِهِ إِلَى مَنْ يَتَعَهَّدُهُ كَالصَّغِيرِ، وَبَطَلَ اخْتِيَارُهُ لأَِنَّهُ لاَ حُكْمَ لِكَلاَمِهِ .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ لاَ خِيَارَ لِلصَّغِيرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَأَنَّ الأُْمَّ أَحَقُّ بِهِمَا. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَبْقَى الصَّبِيُّ عِنْدَ أُمِّهِ إِلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِنَفْسِهِ، بِأَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى الْبُلُوغِ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَيُقَابِلُ الْمَشْهُورَ مَا قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ: إِنَّ أَمَدَ الْحَضَانَةِ فِي الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ عَاقِلاً غَيْرَ زَمِنٍ. أَمَّا الْبِنْتُ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَبْقَى حَضَانَةُ أُمِّهَا إِلَى أَنْ تَحِيضَ. وَبَعْدَ الْبُلُوغِ تَحْتَاجُ إِلَى التَّحْصِينِ وَالْحِفْظِ وَالأْبُ فِيهِ أَقْوَى.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّ الْبِنْتَ تُدْفَعُ إِلَى الأَْبِ إِذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ، لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إِلَى الصِّيَانَةِ.
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَتَبْقَى عِنْدَ أُمِّهَا إِلَى أَنْ يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا؛ لأِنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ النِّسَاءِ، وَالْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ .
وَالْعِلَّةُ فِي عَدَمِ تَخْيِيرِ الْمَحْضُونِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ هِيَ: قُصُورُ عَقْلِهِ الدَّاعِي إِلَى قُصُورِ اخْتِيَارِهِ. فَقَدْ يَخْتَارُ مَنْ عِنْدَهُ الدَّعَةُ وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنِ اللَّعِبِ، فَلاَ يَتَحَقَّقُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْحَضَانَةِ وَهُوَ النَّظَرُ فِي مَصَالِحِ الْمَحْضُونِ.
وَمَا وَرَدَ مِنْ أَحَادِيثَ تُفِيدُ تَخْيِيرَ الطِّفْلِ، جَاءَ فِيهَا أَنَّ اخْتِيَارَهُ كَانَ لِدُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى الأَْصْلَحِ. كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ «رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ فَقَالَتْ: ابْنَتِي وَهِيَ فَطِيمٌ، وَقَالَ رَافِعٌ: ابْنَتِي. فَأَقْعَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأْمَّ نَاحِيَةً، وَالأْبَ نَاحِيَةً، وَأَقْعَدَ الصَّبِيَّةَ نَاحِيَةً وَقَالَ لَهُمَا: اُدْعُوَاهَا فَمَالَتِ الصَّبِيَّةُ إِلَى أُمِّهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ اهْدِهَا فَمَالَتْ إِلَى أَبِيهَا فَأَخَذَهَا.
وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ ابْنُهُمَا وَلَيْسَتْ بِنْتَهُمَا، وَلَعَلَّهُمَا قَضِيَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ.
كَمَا يُحْمَلُ مَا وَرَدَ فِي تَخْيِيرِ الْغُلاَمِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَسْقِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ، وَمَنْ يَكُونُ دُونَ الْبُلُوغِ لاَ يُرْسَلُ إِلَى الآْبَارِ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنَ السُّقُوطِ. الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي عشر ، الصفحة / 73
خاتمة:
بعدما تقدم من استعراض وسرد لموقف القانون والفقه الاسلامي من حضانة الصغير، وقد لوحظت التعديلات التي أُجريت في القانون على سن الحضانة بالزيادة بعد أن كانت سبع سنين للصغير، وتسع سنين للصغيرة، ويجوز مد هاتين المدتين لسنتين إضافيتين إذا قدرت المحكمة أن مصلحة الصغير أو الصغيرة تقتضى ذلك، أصبحت الآن مدة الحضانة خمسة عشر سنة للصغير والصغيرة على السواء، وبعدها يخير القاضي الصغير أو الصغيرة بين العودة للأب أو البقاء في يد الحاضنة إلى سن الرشد للصغير (21 سنة) أو حتى تتزوج الصغيرة.
وإزاء ما قد ترتب على تلك التعديلات في سن الحضانة من آثار مجتمعية سلبية لا تخطؤها العين، وتنازع وشقاق وكيد بين الأبوين خصوصاً مع ما اعترى موضوع رؤية المحضون أو المحضونة من مثالب فاقمت من خطورة استمرار التعديلات المذكورة، الأمر الذي يحتم على الباحث في هذا الشأن أن يضم صوته عالياً إلى أصوات الخبراء والفقهاء الذين طالبوا بإلغاء هذه التعديلات والعودة إلى سن الحضانة الذي كان معمولاً به في ظل النص الأصلي للمادة 20 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929.
(فالمستقر عليه في الشريعة الإسلامية أن الحضانة تتعلق بها حقوق ثلاثة حق الأب وحق الحاضنة وحق المحضون ، وهذه الحقوق الثلاثة إذا اجتمعت وأمكن التوفيق بينها ثبتت كلها ، أما إذا تعارضت كان حق المحضون مقدما على غيره لأن مدار الحضانة على نفع المحضون فمتى تحقق وجب المصير إليه دون التفات إلي حق الأب أو حق الحاضنة لأن المقرر شرعاً أنه إذا تحققت مصلحة المحضون في شئ وجب المصير إليه ، ولو خالف ذلك مصلحة الأب أو الحاضنة لأن حق المحضون في الرعاية أقوى من حقيهما فيقدم دائماً .
لذلك فإنني أميل إلى التمسك بنص الفقرة الأولي من المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 - دون اعتداد بالتعديل الذي جاء عليه بالقانونين رقمي 100 سنة 1985 ، 4 سنة 2005 - وذلك بانتهاء سن حضانة النساء ببلوغ الصغير سن سبع سنوات والصغيرة تسع سنوات يجوز مدها من القاضي إذا اقتضت الحكمة ذلك إلي سن تسع بالنسبة للصغير ، وإحدى عشرة سنة للصغيرة ، إذ أن الولد في هذا السن أحوج إلى رعاية والده ليتكفل برعايته ويكلأه بعنايته ويقوم ما اعوج من أخلاقه ويصلح ما فسد من طباعه ويكون له المثل الأعلى والقدوة الحسنة في كل شي ينزل به العقاب متى تتطلب الأمر ولا يتغاضى عن معايبه ونقائصه.
أما أنه يبقي الصغير في رعاية أمه أو حضانتها حتى سن الواحد والعشرين عاماً فهذا يخالف ما تقتضية الشريعة الإسلامية التي تحرص على أن يشب الصغير رجلاً تحت رعاية والده وسيطرته يتطبع بطباع الرجال من أخلاق وشجاعة بحكم رجولته وخبرته وتجاربه في الحياة العملية فهو أصلح لهذه الولاية من الأم مع كمال شفقته إلي أن يبلغ سن الواحد وعشرين عاماً ، يؤيد ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : {{ لاعب ولدك سبعاً واضربه سبعاً وصاحبه سبعاً ثم اترك حبله على غاربه }}.
فإذا بلغ الولد سن الرشد زالت الولاية وزال مسوغها وأصبح الوالد غير مسئول عن الأفعال الضارة بالغير .
فضلا عن أن الأب ملزماً بالنفقة على ولده إذا بلغ سن التمييز عاجزاً حقيقة أو حكماً بأن كان في مرحلة التعليم إذ أنه مكلف بمصاريف تعليمه ودراسته .
لذلك أهيب بواضعي التشريعات أن يتقوا الله فيما يشرعون من قوانين وأن يضعوا نصب أعينهم مصلحة الجميع في الولد ، الأب ، الحاضنة، وأن يقوموا بمراجعة أحكام قوانين الأحوال الشخصية التي شوهت بعد أن أصابوها في مقتل تحت اسم تحرير المرأة من عبودية الرجل. كفى الانصياع وراء جمعيات حقوق المرأة ودورها في ممارسة الضغوط لإصدار هذه القوانين المشوهة التي لا تتفق مع ثوابت الشريعة الإسلامية، استجابة لضغوط جمعيات حقوق المرأة الغربية مما تسبب في الإطاحة باستقرار الأسرة العربية ، وبمكانة الرجل في بيته كمثال يحتذى به أمام أولاده . لطفاً يرجى مراجعة توصية المستشار/ سيد عبد الرحيم الشيمي، في مؤلفه الماتع الموسوعة الشاملة في شرح قانون الأحوال الشخصية والأسرة ، طبعة 2018.)
(مركز الراية للدراسات القانونية)