نشر بتاريخ : 2019-11-11
يمنح الدستور المصري والقانون للمساكن حرمة خاصة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها ولا مراقبتها إلا بشروط محددة:
حيث تنص المادة 58 من الدستور المصري الصادر في عام 2014 على أن: "للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر، أو الاستغاثة لا يجوز دخولها ولا تفتيشها، ولا مراقبتها ولا التنصت عليها، إلا بأمر قضائي مسبب، يحدد المكان، والتوقيت، والغرض منه، وذلك كله في الأحوال المبينة في القانون، وبالكيفية التي ينص عليها، ويجب تنبيه من في المنازل عند دخولها أو تفتيشها، وإطلاعهم على الأمر الصادر في هذا الشأن".
كما تنص المادة 59 من الدستور نفسه على أن: "الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها".
وتنص المادة (91) من قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 على أن:
((تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق ، ولا يجوز الإلتجاء إليه إلا بمقتضى أمر من قاضي التحقيق ، بناء على إتهام موجه إلى شخص يقيم في المنزل المراد تفتيشه بإرتكاب جناية أو جنحة أو بإشتراكه في إرتكابها أو إذا وجدت قرائن تدل على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة .
ولقاضي التحقيق أن يفتش أي مكان ويضبط فيه الأوراق والأسلحة وكل ما يحتمل أنه إستعمل في إرتكاب الجريمة أو نتج عنها أو وقعت عليه وكل ما يفيد في كشف الحقيقة .
وفي جميع الأحوال يجب أن يكون أمر التفتيش مسبباً )).
كما تنص المادة (92) من ذات القانون على أن: ))يحصل التفتيش بحضور المتهم أو من ينيبه عنه إن أمكن ذلك.وإذا حصل التفتيش في منزل غير المتهم يدعى صاحبه للحضور بنفسه أو بواسطة من ينيبه عنه إن أمكن ذلك ((.
وبناءً عليه فإنه من الأهمية بمكان بداءة أن نبين المراد بالمسكن الذي يمنحه الدستور والقانون هذه الحماية والحرمة:
فالمسكن هو مستودع سر الشخص، وهو المكان الذي يقطن فيه عادة أو يقيم به ولا يباح لأي فرد الدخول فيه إلا بأذن منه ويكفي حتى تتوفر للمسكن الحماية القانونية أن يكون في حيازة شخص سواء أكان مسكوناً فعلاً أم خالي من السكان، لأن الدخول إليه على أي الحالين لا يكون إلا بإذن من له حق حيازته، فالشقة الخالية في منزل لا يجوز تفتيشها إلا برضاء من صاحبها. ويستوي أن يكون مصدر حيازة المسكن هو الملكية أو الإيجار أو العارية، ولا يهم شكل المسكن، فقد يكون قائماً بذاته أو شقة في منزل أو غرفة في فندق، أو خيمة في الصحراء، أو مركب في النهر. كذلك لا عبرة بمدة الإقامة طالت أم قصرت، فمن يشغل حجرة بفندق ليلة واحدة تسبغ عليه الحماية القانونية. وقد يكون للمسكن بعض الملحقات كالحدائق المسورة والمخازن، وهي تلحق به في حكمها ولها ذات الحماية المقررة له لأنها في حوزة صاحبها لا يباح لأي فرد الإطلاع عليها وهناك بعض الأمكنة لا يجوز تفتيشها إطلاقا کالسفارات والمفوضيات ومنازل السفراء والوزراء المفوضين وفقا لقواعد القانون الدولي العام والاتفاقيات.ذات الصلة ومبادىء المعاملة بالمثل، ولا يستفيد من الحماية التي قررها القانون للمكان إلا الحائز له، بمعنى أن التفتيش الذي يقع فيه مخالفا للقانون لا يستطيع غيره أن يدفع ببطلانه، فإن أُبدي الدفع من شخص أخر لا يعتد به لانتفاء حكمة التشريع في هذه الصورة.
فتفتيش المساكن إذن هو عمل من أعمال التحقيق ولا يعد من إجراءات الاستدلال، فلا يجوز أن يُتخذ التفتيش وسيلة لإكتشاف الجرائم وضبط مرتكبيها وإنما محل هذا هو جمع الاستدلالات، فالبلاغ عن الجريمة وحده لا يكفي لإجراء التفتيش، وإنما يجب أن تقوم دلائل قوية ضد شخص معين بأن له يداً في ارتكابها حتى يصح تفتيش مسكنه، أي أن التفتيش لا يكون إلا بعد ارتكاب الجريمة، فلا تصح مباشرته للجريمة المستقبلة ولو قامت التحريات والدلائل الجدية على أنها ستقع بالفعل، والتفتيش إجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي فان طُرحت الدعوی علی المحكمة فإنه لا يجوز لها إجراء التفتيش لأنه أجيز استثناء من حق حرمة المسكن في سبيل تحقيق مصلحة عامة هي تعرف الحق في جريمة معينة، والاستثناء - لا سيما فيما يتعلق بالحريات العامة - لا يجوز التوسع في تفسيره
كما لا يجوز تفتيش المساكن إلا في الجرائم المعدودة من الجنايات أو الجنح بصريح نص المادة 91 اجراءات ، فلا يصح تفتيش مسكن متهم بارتكاب مخالفة لأنها من البساطة التي لا يجوز فيها إهدار حرمة المسكن.
كما يشترط لجواز تفتيش المسكن أن يكون هناك اتهام قائم ضد شخص معين يقيم فيه، ويستوي في هذا أن يكون دوره في الجريمة كفاعل أصلي أو شريك. ويجب أن تكون هناك أدلة أو قرائن تسمح بتوجيه هذا الاتهام إليه. ومع ذلك فقد أباح المشرع لقاضي التحقيق إذا كان هو المتولى التحقيق أن يفتش منزل غير المتهم وضبط الأوراق والأسلحة وكل ما يحتمل أنه أستعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها أو وقعت عليه وكل ما يفيد في كشف الحقيقة (م ٩١) . وإذا كانت النيابة العامة هي التي تباشر التحقيق فلا يجوز لها تفتيش منزل غير المتهم الا بعد استئذان القاضي الجزئي (١٠٦ إجراءات) وفي هذه الحالة يجوز لها أن تندب أحد ماموری الضبط القضائي لتنفيذ التفتيش . ولا يجوز للقاضي الجزئي أن يندب هو مامور الضبط القضائي لذلك . إذ كل ما يملكه هو إصدار الإذن للنيابة العامة . ويكون الإذن بالتفتيش صحيحاً حتى ولو كان قد جاء خلوا من ذكر اسم مخزن بعينه طالما انه قد عين تعيناً نافياً للجهالة وتحديد المتهم حائز المسكن يكفي فيه تحديد شخصيته بشكل وافٍ يمنع الخلط بينه وبين غيره ويفيد بأنه هو ذاته المطلوب تفتيش مسكنه ، فالخطأ في اسمه لا يقدح في صحة التفتيش . وكذلك يكون التفتيش صحيحاً ولو صدر أمر الندب بإسم اشتهر به المتهم ، وإغفال ذكر اسم الشخص في الأمر الصادر بتفتيشه اكتفاء بتعيين مسكنه لا ينبني عليه بطلانه متى ثبت للمحكمة بالدليل القاطع أن الذي تم تفتيشه وتفتيش مسكنه هو بذاته المقصود بأمر التفتيش.
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٥٨ الذي أدخل هذا التعديل أن اشتراط إجراء تحقيق على هذا الوضع قبل أن تجري سلطة التحقيق التفتيش بنفسها، أو تأذن لأحد مأموري الضبط القضائي بإجرائه قد يضر بالمصلحة العامة التي يجب أن تسمو على مصلحة الفرد، لأنه قد يعطل من سير الإجراءات خصوصاً في الأحوال التي لا تحتمل التأخير، وقد يؤدي طول الإجراءات إلى إذاعة خبر التفتيش قبل إجرائه، وليس فيه ضمانة جديدة، ما دام تقدیر مبررات التفتيش متروك لسلطة التحقيق تحت إشراف المحكمة».
للدكتور/ محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، تنقيح الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الخامسة ٢٠١٦، دار النهضة العربية، المجلد ، الأول.
كما جاء بالمذكرة الإيضاحية لقانون الإجراءات الجنائية ما يلي:
(أما المواد ٩٣ و ٩٨ و ١٠٠ فهي مواد جديدة لم ترد في مشروع الحكومة كما حذفت المادة ١٢٤ من المشروع لادماجها في المادة ٩٥ من القانون خاصة بسلطة اقاضي التحقيق في التفتيش وضبط الأشياء المتعلقة بالجريمة فأجيز لقاضي التحقيق أن يفتش أي مكان محتمل أن يوجد فيه اشياء تفيد في كشف الحقيقة ويکفی تفتيش منزل المتهم ان يكون هناك اتهام قائم أما بالنسبة لمنزل غير المتهم فلا يجوز التفتيش الا اذا اتضح من أمارات قوية أنه قد اخفيت فيه اشياء تفيد في كشف الحقيقة ويحصل التفتيش بحضور صاحب المنزل سواء أكان المتهم ام كان غير المتهم ام من ينيبه في ذلك وإلا فيجب أن يكون بحضور شاهد من اقاربه او من القاطنين معه بالمنزل او احد الجيران - المادتان ١٢٢ و ٨٧ -( اصبحت المادتان ٩٢ و ٥١ من القانون واندمجت المادة ١٢٢ في المادة ٩٢ من القانون وهي مادة جديدة لم تكن واردة في مشروع الحكومة ) وأُجيز لقاضي التحقيق أن يفتش المتهم كما اجيز له أن يفتش غير المتهم اذا اتضحت له من أمارات قوية أنه يخفي أشياء تفيد في کشف الحقيقة وفي جميع الأحوال إذا كان المطلوب تفتيشه انثى فلا يجوز مباشرة تفتيشها إلا بمعرفة أنثى يندبها قاضي التحقيق - المادتان ١٢٣ و ٨٣ ( اصبحت المادتان ٩٤ و 46 من القانون) .
ولقاضي التحقيق أن يضبط كل ما يفيد في كشف الحقيقة في أي مكان يوجد بما في ذلك الخطابات ونحوها في مكاتب البريد والرسائل التليفونية والتلغرافية مكاتب التلغراف والتليفونات والاوراق والنقود في المؤسسات العمومية و الخصوصية ........... أما عن الحق في الاطلاع على الاوراق و المستندات التي أمر القاضي بضبطها فقد نصت المادة ١٢٨ ( أصبحت المادة ٤٧ من القانون ) على أن للقاضي وحده الاطلاع عليها بحضور الحائز لها او المرسلة اليه كلما أمكن ذلك وذلك احتراما للسرية وتيسيراً للتحقيق ولاحتمال أن تكون الأوراق المضبوطة كثيرة مما يستدعي فرزها شغل وقت القاضي فقد اجيز له عند الضرورة أن يكلف أحد الأعضاء النيابة العمومية بفرزها وبعد فحص هذه الأوراق فللقاضى ان يأمر بضمها إلى ملف القضية او ردها إلى صاحبها حسبما يظهر من نتيجة الفحص ولاحتمال أن يكون في الأوراق المضبوطة ما يستدعي تبليغه لصاحب الشأن فيه لتحقيق مصلحة خاصة به فقد اوجب على القاضي اذا وجد في الأوراق المضبوطة عبارة او عبارات لا فائدة للتحقيق من بقائها سرية تبليغ صورة منها لصاحبها في الوقت المناسب إذا كان له مصلحة في ذلك - المادة ١٢٨ - ( أصبحت م ٩٧ من القانون ) ولما كان من الأشياء التي يرى القاضي ضبطها أو الاطلاع عليها ما لا يمكن الحصول عليه إلا إذا قدمه من كان هذا الشئ في حيازته فقد أجازت المادة ١٢٩ ( أصبحت م 99 من القانون ) لقاضي التحقيق ان يأمر هذا الحائز بتقديمه إن كان مقتنعا بوجود هذا الشئ لديه فإذا امتنع يعاقب بعقاب الشاهد الذي يمتنع عن أداء اليمين او عن الاجابة الا اذا كان في حالة من الأحوال التي يخوله القانون فيها الامتناع عن اداء الشهادة - المادة ١٢٩ - ( أصبحت م ٩٩ من القانون ) .
كما جاء في تعليمات النيابة العامة في المسائل الجنائية طبقاً لأخر التعديلات الصادرة بالكتب الدورية حتى سنة ٢٠١٦ أ/ حسن محمد حسن المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة / طبعة ٢٠١٧ يونيتد للإصدارات القانونية، ما يلي:
مادة ٣١١ – التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق التي تهدف إلى ضبط أدلة الجريمة موضوع التحقيق وكل ما يفيد في كشف الحقيقة من اجل إثبات ارتكاب الجريمة ونسبتها إلى المتهم وينصب على شخص المتهم والمكان الذي يقيم فيه ويجوز أن يمتد إلى أشخاص غير المتهمين ومساكنهم وذلك بالشروط والأوضاع المحددة بالقانون .
مادة ٣١٢ – يقصد بالشخص كمحل قابل بتفتيش كل ما يتعلق بكيانه المادي وما يتصل به مما يرتديه من ملابس أو ما يحمله من أمتعة وأشياء منقولة أو ما يستعمله كمكتبه الخاص أو متجره أو سيارته الخاصة .
مادة ٣١٣ – المسكن هو كل مكان خاص يقيم فيه الشخص بصفة دائمة أو مؤقتة وينصرف إلى توابعه كالحديقة وحظيرة الدواجن والمخزن ويمتد إلى الأماكن الخاصة التي يقيم فيها الشخص ولو لفترة واحدة من اليوم كعيادة الطبيب ومكتب المحامي ولا تسري حرمة الأماكن الخاصة على المزارع والحقول غير المتصلة بالمساكن .
مادة ٣١٤ – يختلف التفتيش كإجراء من إجراءات التحقيق عن بعض الصور الأخرى التي تختلط به وهي التفتيش الوقائي والتفتيش الإداري ودخول المنازل لغير التفتيش .
مادة ٣٢٠ – توجب المادتان ٤٤ من الدستور و٩١ من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم ٣٧ لسنة ١٩٧٢ تسبيب الأمر بدخول المسكن أو تفتيشه وان كانتا لم تشترط قدرا معينا من التسبيب أو صورة بعينها يجب أن يكون عليها الأمر بالتفتيش إلا انه يجب أن يعنى أعضاء النيابة بتحرير ذلك الأمر وان يقسطوه حقه من التسبيب وان يقيموه على أسباب شاملة للواقعة التي دلت عليها الأوراق ومستظهرة للدليل القائم فيها وطبيعة الجريمة وتكييفها القانوني استجلاء لتوافر الجرم أو الجرائم المسوغة لتفتيش المنازل قانونا وبالجملة الإحاطة عن بصر وبصيرة بكل ما من شانه أن يكشف عن اقتناع الآمر واطمئنانه لقيام الجريمة وجدية الاتهام الماثل فيها .
مادة ٣٤٠ – إذا قام قاضي التحقيق أو عضو النيابة بتفتيش منزل المتهم وجب أن يحصل التفتيش بحضور المتهم أو من ينيبه عنه إن أمكن ذلك فإذا تعذرت الإنابة لرفض المتهم أو غيابه وعدم إمكان الاتصال به أمكن إجراء التفتيش بدون حضور أحد .
فإذا حصل التفتيش في منزل غير المتهم وجب دعوة محاميه للحضور بنفسه أو بواسطة من ينيبه عنه إن أمكن ويقصد بصاحب المكان في هذا الصدد حائزه الفعلي .
وتسري ذات الأحكام بالنسبة لمأمور الضبط القضائي الذي يجري التفتيش بناء على ندب من سلطة التحقيق .
وقد سبق القول بأنه لا يكفي أن توجه التهمة إلى الشخص كما يبدو من ظاهر النص بل يجب أن يكون الاتهام جدياً قامت عليه من الدلائل ما يكفي لاقتحام مسكنه الذي حفظت له القوانين حرمته، وتقدير الدلائل متروك لرقابة محكمة الموضوع التي إن استظهرت عدم جدية الدلائل كان لها أن تعتبر التفتيش باطلاً وتلتفت عن الدليل المستمد منه. ويجب أن يكون التفتيش منصباً على مسكن معين بالذات، فلا يجوز أن يكون التفتيش عاماً بحيث يشمل مساكن جميع الأشخاص المقيمين في حي معين أو قرية معينة، لأنه لا يصح إلا عن جريمة محددة مع توافر قرائن قبل المتهم . وتعيين مسكن المتهم يقصد به تعريفه على وجه دقيق لا يحتمل الخلط أو اللبس ويكون هذا ببيان اسم المتهم والشارع الذي يقع به المنزل ورقمه والشقة التي يسكن فيها ،فيجب أن يعين مسكن المتهم ببيان دقيق يرفع كل خلط أو لبس، ولا يقدح في تحديد المسكن نقص بعض البيانات متى كان باقيها كافياً لتحديد أين يقطن.
وقد بينت المادة 91 إجراءات (فى فقرتها الثانية المعيار في تحديد الأشياء التي يجوز ضبطها بأنها الأوراق والأسلحة وكل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها أو وقعت عليه وكل ما يفيد في كشف الحقيقة». وقد أشار الشارع في هذا النص إلى فئات ثلاث من الأشياء، ما استعمل في ارتكاب الجريمة، وما نتج عنها، وما وقعت عليه (أي موضوعها). وهذه الإشارة - كما قدمنا - أوردها الشارع على سبيل المثال، فقد أردافها بتقريره القاعدة العامة في تحديد الأشياء التي يجوز ضبطها بأنها «كل ما يفيد في كشف الحقيقة»، وأشار الشارع كذلك إلى «الأوراق والأسلحة»، وهذه الإشارة هي كذلك على سبيل المثال. وعلى هذا النحو يستخلص المعيار في تحديد الأشياء التي يجوز ضبطها بأنها «جميع الأشياء - أيا كانت طبيعتها - التي يقدر المحقق أنها تفيد في كشف الحقيقة»: فالمعيار هو الصلة بين الشئ والجريمة، بقدر ما تجعل هذه الصلة الشيء مفيدة في كشف الحقيقة في شأن الجريمة وللمحقق - بل إن عليه - أن يضبط ما يمكن أن يستخلص منه دليل إدانة أو دليل براءة على السواء. ويقتصر الضبط على المنقولات.
وتقدير تلك الفائدة متروك للمحقق ويخضع في هذا لرقابة محكمة الموضوع ٠
كما بينت المادة 91 إجراءات (في فقرتها الثالثة)، «وفي جميع الأحوال يجب أن يكون أمر التفتيش مسبباً»، وهذا الاشتراط استجابة لنص الدستور المادة ٤٤ وعلته بيان غاية التفتيش، والتحقق من مشروعيتها، بثبوت أنها الغاية التي حددها القانون، وهذا الشرط يتيح للقضاء تقدير صحة الأمر بالتفتيش وتقرير بطلانه إذا ثبت أنه يستهدف غاية غير ما حدده القانون. ولكن الشارع لم يرسم شكلاً خاصا لتسبيب الأمر بالتفتيش، ولم يطلب قدراً معيناً من التسبيب، أي أنه لم يشترط أن يكون التسبيب تفصيلياً، بل إنه يكفي أن يحيل أمر التفتيش في تسبيبه إلى الدلائل التي استخلصتها سلطة الاستدلال من تحرياتها واستندت إليها في طلب التفتيش الذي صدر الأمر استجابة له وهذا الاشتراط مقتصر على تفتيش المساكن دون تفتيش الأشخاص.
وقد اكدت محكمة النقض هذه المبادىء واستقرت فى أحكامها على أنه ((من المقرر أن المادة ٩١ من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون رقم ٣٧ لسنة ١٩٧٢ لا توجب تسبيب أمر التفتيش إلا حين ينصب على المسكن والحال فى الدعوى الراهنة أن أمر النيابة العامة بالقبض وما تلاه من تفتيش إنصب على أشخاص الطاعنين دون مساكنهم فلا موجب لتسبيبه ومع هذا فإن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن النيابة العامة أصدرت الأمر بعد اطلاعها على محضر التحريات المقدم إليها من الضابط طالب الأمر وما تضمنه من أسباب توطئة وتسويغاً لإصداره وهذا حسبه كى يكون محمولاً على هذه الأسباب بمثابتها جزء منه ولما كان الحكم المطعون فيه قد اعتنق هذا النظر ومن ثم فلا وجه لتعييب الطاعنين الحكم فى هذا الصدد .
(الطعن رقم ٨٠١٥ لسنة ٨١ جلسة ٢٠١٢/٠٣/٢٠ س ٦٣ ص ٣٠٨ ق ٤٨)
لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان التفتيش لإجرائه دون إذن مسبب بإجرائه واطرحه فى قوله : "وحيث إنه عن الدفع ببطلان أي دليل مستمد من تفتيش منزل ومكتب المتهم الأول تبعاً لبطلان التفتيش فى الحالين لعدم صدور أمر مسبب به طبقاً لما تنص عليه المادة ٩١ من قانون الإجراءات الجنائية فمردود عليه بأن مفهوم المادة ٩١ من قانون الإجراءات الجنائية هو أن الأمر أو الإذن يقتضي أن يكون هناك أمراً أو إذناً ارتأى تنفيذ الإجراء ومأموراً مأذون له بالانابة ندباً فى تنفيذه وفي هذه الحالة أوجب القانون تسبيب الأمر أو الإذن ، وقد اشترط القانون فى تلك الحالة أن يكون أمر التفتيش صادراً لمأمور ضبط قضائي والثابت من التحقيقات أن تفتيش مسكن ومكتب المتهم الأول قد تم بمعرفة النيابة العامة صاحبة السلطة فى ذلك انطلاقاً من مباشرتها التحقيق ولم تر إسناد هذا الإجراء لأحد من مأموري الضبط القضائي بطريق الأمر أو الندب المشار إليه بالمادة ٩١ من قانون الإجراءات الجنائية ومن ثم يكون قد تخلف عن النيابة العامة بصدد هذا الإجراء صفة الإذن أو الأمر حتى يكون هناك محلاً لوجوب التسبيب ومن نافلة القول أنه قد سبق إجراء تفتيش منزل ومكتب المتهم الأول بمحضر تحريات المقدم ...... الضابط بالإدارة العامة لمباحث الأموال العامة المؤرخ ...... الذي تطمئن المحكمة لجديتها والمحدد للجريمة واتهام المتهم الأول وآخرين بارتكابها وكذا أقوال رئيسة مكتب توثيق ...... السالف سردها تفصيلاً وكذا محضر الاطلاع على دفاتر ذلك المكتب ومطابقته التوكيلات على ما أثبت فيها وهي إجراءات قامت بها النيابة العامة بنفسها وتلك الإجراءات كانت مسوغاً لقيام النيابة العامة بتفتيش مسكن المتهم ومكتبه ومن ثم يكون الدفع غير قائم على سند من صحيح القانون جديراً بالرفض. " وهذا الذي أورده الحكم يتفق وصحيح القانون ويستقيم به اطراح الدفع المثار فى هذا الشأن ، ويكون منعى الطاعن الأول فى هذا الخصوص غير سديد .
(الطعن رقم ١٣١٩٦ لسنة ٧٦ جلسة ٢٠٠٦/٠٥/١٨ س ٥٧ ص ٦٣٦ ق ٦٩)
إن كل ما يشترط لصحة التفتيش الذي تجريه النيابة العامة أو تأذن بإجرائه فى مسكن المتهم هو أن يكون رجل الضبط القضائي قد علم من تحرياته واستدلالاته أن جريمة معينة جناية أو جنحة قد وقعت من شخص معين وأن يكون هناك من الدلائل والأمارات الكافية والشبهات المقبولة ضد هذا الشخص بقدر يبرر تعرض التحقيق لحرمة مسكنه التي كفلها الدستور وحرم على رجال السلطة دخوله إلا فى الأحوال التي ينص عليها القانون , وكان إصدار الإذن بالتفتيش يعد بذاته مباشرة للتحقيق باعتباره من أعماله ولا يشترط لصحته طبقا للمادة ٩١ من قانون الإجراءات الجنائية أن يكون قد سبقه تحقيق مفتوح أجرته السلطة التي ناط بها القانون إجراءه بل يجوز لهذه السلطة أن تصدره إذا رأت أن الدلائل المقدمة إليها فى محضر الاستدلالات كافية , ويعد حينئذ الأمر بالتفتيش إجراء مفتتحاً للتحقيق ويكون اشتراط مباشرة التحقيق اقتضاء لحاصل , كما أنه من المقرر أن المادة ٤٤ من دستور جمهورية مصر العربية والمادة ٩١ من قانون الإجراءات الجنائية فيما استحدثتاه من تسبيب الأمر بدخول المسكن أو تفتيشه لم تشترطا قدراً معيناً من التسبيب أو صورة بعينها يجب أن يكون عليها الأمر بالتفتيش , وإذ كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن النيابة العامة لم تأذن بتفتيش مسكن الطاعن الأول إلا بعد أن قدرت جدية التحريات والاستدلالات التي قام بها مأمور الضبط القضائي وأثبتها فى محضر تضمن أن الطاعن الأول يزاول نشاطه فى تزوير المستندات الرسمية وتقليد الأختام الحكومية ثم أقرتها محكمة الموضوع على تقديرها فإن ذلك التفتيش يكون صحيحاً فى القانون ولا تكون محكمة الموضوع قد أخطأت فى التعويل على الدليل الذي أسفر عنه ذلك التفتيش أو على شهادة من أجراه ويكون ما ينعاه الطاعن الأول على الحكم فى هذا الشأن غير مقبول.
(الطعن رقم ٥٧٦٩ لسنة ٦٠ جلسة ١٩٩٩/٠٣/١١ س ٥٠ ص ١٥٩ ق ٣٧)
(لطفاً يرجى مراجعة مؤلف الدكتور/ محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، تنقيح الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الخامسة ٢٠١٦، دار النهضة العربية، المجلد ، الأول الصفحة: ٥٠٧، ومؤلف المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون الإجراءات الجنائية، الطبعة الثامنة ٢٠١٦ المركز القومي للإصدارات القانونية، المجلد الأول ، الصفحة : ٦٤١)
وقد استقرت محكمة النقض أيضاً على المبادىء التالية:
(( إن ما ينعاه الطاعن بشأن أنه لم يثبت أن التفتيش قد تم بحضور أحد من الأشخاص الذين عددتهم المادة ٩٢ من قانون الإجراءات الجنائية فمردوداً بما هو مقرر من أنه لا يصح إثارة أساس جديد للدفع ببطلان التفتيش لأول مرة أمام محكمة النقض مادام أنه فى عداد الدفوع القانونية المختلطة بالواقع ما لم يكن قد أثير أمام محكمة الموضوع أو كانت مدونات الحكم ترشح لقيام ذلك البطلان ، ولما كانت مجادلة الطاعن فى هذا الشأن تقتضى تحقيقاً موضوعياً، وكان الطاعن لم يتمسك بذلك أمام محكمة الموضوع ومن ثم فلا يقبل منه إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض .))
(الطعن رقم ٢٤٥٩٨ لسنة ٦٥ جلسة ١٩٩٨/٠٢/١٦ س ٤٩ ص ٢٥٢ ق ٣٨)
حصول التفتيش بغير حضور المتهم لا يترتب عليه البطلان ذلك أن القانون لم يجعل حضور المتهم – أو من ينيبه عنه - التفتيش الذى يجرى فى مسكنه شرطاً جوهريا لصحته .
(الطعن رقم ٤١٢ لسنة ٥٠ جلسة ١٩٨٠/٠٦/٠٨ س ٣١ ع ١ ص ٧٢٣ ق ١٤٠)
لم يجعل قانون الإجراءات الجنائية حضور المتهم عند تفتيش مسكنه شرطاً جوهرياً لصحة التفتيش ، و لم يرتب بطلاناً على تخلفه .
(الطعن رقم ١٢٩٦ لسنة ٣٠ جلسة ١٩٦٠/١١/١٤ س ١١ ع ٣ ص ٧٨٢ ق ١٥٠)
إن حصول التفتيش بغير حضور المتهم لا يترتب عليه البطلان ذلك أن القانون لم يجعل حضور المتهم التفتيش الذى يجرى فى مسكنه شرطاً جوهرياً لصحته . ومن ثم فإنه لا يعيب الحكم إلتفاته عن الرد على الدفع الذى أبداه الطاعن ببطلان التفتيش لإجرائه فى غيبته طالما أنه دفع قانونى ظاهر البطلان .
(الطعن رقم ١٦٢٩ لسنة ٤٠ جلسة ١٩٧١/٠١/٢٤ س ٢٢ ع ١ ص ٩٥ ق ٢٢)
ويجب أن تؤخذ الملاحظات التالية بالاعتبار في ظلال نص المادة 92 إجراءات:
فقد قررت المادة حصول التفتيش بحضور المتهم أو من ينوب عنه إن أمكن ذلك، فالمتهم غير مكلف بالحضور أثناء التفتيش لا بنفسه ولا بوكيل عنه، بيد انه تجب دعوته للحضور إن كان هذا ميسوراً للمحقق ووجد متسعاً من الوقت، فقد تدعوه الضرورة إلى إجراء التفتيش على وجه السرعة، وفي إعلان المتهم أو إحضاره من السجن - إن كان محبوساً - ما يضيع الوقت ويجعل التفتيش الذي يحصل حينئذ غير مجد. والغرض من ذلك الشرط هو اطمئنان المتهم لصحة الضبط وحتى لا يكون له وجه يتعلل به بزعم إن ما ضبط بمسكنه لم يكن نتيجة التفتيش. ويعتبر هذا الإجراء من الإجراءات الجوهرية المتعلقة بصالح الخصوم .
كما لم يستلزم المشرع لصحة تفتيش المنازل باعتباره إجراء من إجراءات التحقيق التي يباشرها سلطة التحقيق سوى حضور المتهم أو ينيبه عنه أن أمكن ، وذلك إذا كان التفتيش واقعاً على منزل المتهم . أما إذا كان التفتيش واقعا علی منزل غير المتهم فيدعى صاحبه للحضور بنفسه أو بواسطة من ينيبه عنه أن أمكن ذلك (م٩٢) . ولا يترتب على عدم دعوة المتهم أو صاحب المنزل لحضور التفتيش بطلان التفتيش . ذلك أن حضور المتهم أثناء التفتيش بناء على أمر سلطة التحقيق ليس شرطا جوهرياً لصحته . ومع ذلك يقع التفتيش باطلاً إذا كان في الإمكان حضور المتهم أو ما ينيبه ولم يكن هناك مبرر لعدم دعوته أو أن القائم بتنفيذ التفتيش منعه من الحضور . ولا تتقيد النيابة بذلك القيد في تحقيقها للجنايات المنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني والثاني مكرر من الكتاب الثاني لقانون العقوبات. وجدير بالذكر أن المشرع لم يستلزم هنا سوى حضور المتهم أو من يبنيه أو صاحب المنزل أو من ينيبه على حسب الأحوال ، ولم يستلزم حضور شاهدين كما فعل، بالنسبة للتفتيش الذي يجريه مأمور الضبط القضائي. وعلة ذلك أن التفتيش هنا يجري بمعرفة السلطة صاحبة الاختصاص الأصيل بالتحقيق . كما يلاحظ أن مأمور الضبط القضائي إذا باشر التفتيش بناء على انتداب من سلطة التحقيق فانه يباشره بالشروط الشكلية المقررة لسلطة التحقيق . بمعنى أنه لا يلزم حضور شاهدين . فالمشرع استلزم الشاهدين فقط حينما كان يقوم مأمور الضبط بمباشرة التفتيش بناء على السلطات الاستثنائية المخولة له في الحالات التلبس قبل الحكم بعدم دستورية نص المادة ٤٧ إجراءات.(الدكتور/ مأمون محمد سلامة، قانون الإجراءات الجنائية، الطبعة ٢٠١٧ مراجعة د/ رفاعي سيد سعد (سلامة للنشر والتوزيع) الجزء الأول، الصفحة ٤٤٠)
وعلة هذا النص هي الاحتياط لتفادي التعسف في تنفيذ التفتيش، ذلك أن المحقق يتردد في مخالفة القانون إذا كان التفتيش يجري بحضور أحد هؤلاء الأشخاص، والفرض أن له مصلحة في أن تسيير إجراءاته وفق للقانون. ومن ناحية ثانية، فإن هذا الإجراء يدخل الاطمئنان إلى نفس من يجري التفتيش في مسكنه بأنه ينفذ وفقاً للقانون. ولكن محكمة النقض قضت بأن هذا الإجراء غير جوهري، ومن ثم لا يترتب على إغفاله بطلان التفتيش ولم يتطلب القانون حضور المدافع أثناء إجراء التفتيش، ولا يلتزم المحقق بإخطاره بالموعد الذي حدده له، فالتفتيش لا يخضع لأحكام الاستجواب، بل إن إخطار المدافع مقدمة بموعد التفتيش قد يفسد الغرض المستهدف به. ويتعين أن يحرر محضر بالتفتيش تطبيقا للقواعد العامة في الإجراءات الجنائية، وأهم ما يتضمنه هذا المحضر بيان الأشياء التي أسفر التفتيش عن ضبطها .
مركز الراية للدراسات القانونية