تكييف العلاقات عند تنازع القوانين

نشر بتاريخ : 2019-08-23


تكييف العلاقات عند تنازع القوانين 

تنص المادة العاشرة من القانون المدني على أن "القانون المصري هو المرجع في تكييف العلاقات عندما يطلب تحديد نوع هذه العلاقات في قضية تتنازع فيها القوانين، لمعرفة القانون الواجب تطبيقه من بينها" 

 

وقد جاء في مذكرة المشروع التمهيدي للقانون المدني تعليقاً على هذه المادة ما يلي: 

١تقضي الفقرة الأولى من هذه المادة بوجوب رجوع المحاكم إلى القانون المصري في تكييف الروابط القانونية تمشياً مع الرأي الذي كاد ينعقد عليه الإجماع في الوقت الحاضر ، ويراعي من ناحية أن للنص على هذا الحل أهمية خاصة في مصر بسبب توزيع ولاية القضاء بين محاكم مختلفة . وينبغي أن يفهم من وجوب رجوع المحاكم المصرية إلى قانونها في مسائل التكييف إلزامها بالرجوع إلى القانون المصري في جملته - بما يتضمن من قواعد تتعلق بالأشخاص أو بالأموال أيا كان مصدر هذه القواعد - دون أن تقتصر على الأحكام التي تختص بتطبيقها وفقاً لتوزيع ولاية القضاء على الوجه الذي تقدمت الإشارة إليه. 

۲ - ويراعي من ناحية أخرى أن تطبيق القانون المصرى بوصفه قانوناً للقاضي في مسائل التكييف لا يتناول إلا تحديد طبيعة العلاقات في النزاع المطروح لإدخالها في نطاق طائفة ( نوع ) من طوائف النظم القانونية التي تعين لها قواعد الاسناد اختصاصاً تشريعياً معيناً كطائفة النظم الخاصة بشكل التصرفات أو بحالة الأشخاص أو بالمواريث والوصايا أو بمركز الأموال . ومتى تم هذا التحديد انتهت مهمة قانون القاضي إذ يتعين القانون الواجب تطبيقه ولا يكون للقاضي إلا أن يعمل أحكام هذا القانون. (مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الأول ، الصفحة : 233).  

 

وقد استقرت أحكام محكمة النقض في العديد من أحكامها على تطبيق هذا المبدأ القانوني الهام: 

  1. لما كان المرجح في تكييف ما إذا كانت المسألة معروضة على المحكمة هي من مسائل الأحوال الشخصية أم ليست كذلك هو القانون المصري وفقاً للمادة 10 من القانون المدني، وكان البين من المادة 13 من القانون المدني والمادة 13 من القانون رقم 147 لسنة 1947 بإصدار قانون نظام القضاء أن المنازاعات المتعلقة بالنظام المالي بين الزوجين هى من مسائل الأحوال الشخصية، وكانت المادة 99 من قانون المرافعات إذ أوجبت على النيابة العامة أن تتدخل في كل قضية تتعلق بالأحوال الشخصية وإلا كان الحكم باطلًا لم تفرق بين حالة وأخرى بل أطلقت النص، ومن ثم لا تكون المحكمة إذ قضت من تلقاء نفسها ببطلان الحكم الابتدائي لعدم تدخل النيابة في هذه المسألة استنادًا إلى المادة 99 مرافعات قد أخطأت في تطبيق القانون، كما يكون في غير محله استناد الطاعنين إلى القانون السويسري في تكييف النظام المالى بين الزوجين تكييفًا يخرج مسألته عن متناول نص المادة 99 المشار إليها ولا يغير من هذا النظر أن تكون الدعوى رفعت أصلًا بوصفها دعوى مدنية بطلب ملكية حصة معينة وطلب قسمتها متى كانت قد أثيرت فيها مسألة أولية من مسائل الأحوال الشخصية تقتضى تدخل النيابة في الدعوى. أما القول بأن المسألة تركزت في عيوب الرضا الخاصة بالاتفاق على النظام المالي بين الزوجين من حيث وجود الرضا أو انعدامه ومن حيث تقادم دعوى الإبطال في هذا الخصوص أو عدم تقادمها وبأن الحكم شابه قصور إذ أغفل الواقعة الجوهرية التي أثارها الطاعنون وهي أن نظام اتحاد الأموال قد استبدل به غيره بمقتضى الاتفاق المشار إليه، كل هذه الاعتراضات لا تخرج المسألة المتنازع عليها من جيزها القانوني الصحيح وهو أن النظام المالي الذي يخضع له الزوجات هو مسألة أولية متعلقة بصميم الأحوال الشخصية. نقض 26/3/1953 طعن 423 س 21 ق. 
  2. إذ كان المرجع في تكييف التفريق بين الزوجين بسبب إعتناق الزوجة الإسلام و إباء الزوج الدخول فيه هو الشريعة الإسلامية بإعتبارها القانون المصرى العام في مسائل الأحوال الشخصية و ذلك وفقاً للمادة 10 من القانون المدني . و هذا التفريق . - و على أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة - يعتبر طلاقاًو ليس بطلاناً للزواج يعود إلى بداية العقد و كانت الفقرة الأولى من المادة 1503 من القانون المدني اليوناني تنص على أنه : " إذا حكم بالطلاق حال حياة الزوجين فإن حضانة الطفل تكون لمدعي الطلاق إذا لم ينسب إليه خطأ ما " و إذ كان الثابت بالأوراق أن المطعون عليها بعد أن إعتنقت الإسلام أقامت الدعوى رقم ... كلى أحوال شخصية أجانب الإسكندرية ضد الطاعن للحكم بالتفريق بينهما بسبب إبائه الإسلام و قضی لها بالتفريق أي بالطلاق و لم يكن في جانبها أي خطأ فإن حضانة إبنها من الطاعن تكون لها طبقا لنص الفقرة الأولى من المادة ۱۰۰۳ من القانون المدني اليوناني المشار إليها ، و إذ إلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر و أقام قضاءه برفض دعوى الطاعن بحقه في حضانة الأبن على قوله : "...." فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون . الطعن رقم 76 لسنة 53 ق - جلسة 27/1/1987 س 38 ص 173 

التعليق على نص المادة: 

تصدرت المادة العاشرة من القانون المدني المواد المتعلقة بتنازع القوانين من حيث المكان، وهي وجود أكثر من قانون واحد يُطلب تطبيقه على النزاع ليس من بينها القانون المصري، فأوجبت على القاضي تطبيق القانون المصري دون سواه على مرحلة تكييف العلاقات ذات الصلة بالمنازعة وصولاً إلى إدخال هذه العلاقات وتلك المنازعة ضمن طائفة مما نص عليه المشرع في المواد التالية وهذه الطوائف هي: الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم، والنظام القانوني للأشخاص الاعتبارية الأجنبية، والشروط الموضوعية لصحة الزواج، والآثار التي يرتبها عقد الزواج، ومسائل الطلاق والتطليق والانفصال، والالتزام بالنفقة فيما بين الأقارب، والمسائل الموضوعية الخاصة بالولاية والوصاية والقوامة وغيرها من النظم الموضوعية لحماية المحجورين والغائبين، والميراث والوصية وشكلها وسائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت، ومسائل الحيازة والملكية والحقوق العينية الأخرى المتعلقة بالعقار أو بالمنقول، والالتزامات التعاقدية، والعقود المبرمة في شأن العقار، وشكل العقود ما بين الأحياء، والالتزامات غير التعاقدية، والالتزامات الناشئة عن الفعل الضار، وقواعد الاختصاص وجميع المسائل الخاصة بالإجراءات، وما يتعلق بعديمي ومزدوجي الجنسية. 

فيتعين على القاضي إذن الرجوع إلى القانون المصري لدى تكييفه القانوني اللازم للعلاقات محل المنازعة لإلحاقها ضمن هذه الطوائف المشار إليها، فإذا ما انتهى القاضي إلى أن العلاقة المطروحة مثلاً هي علاقة زواج وأن المنازعة تتعلق بشروط صحة هذا الزواج فإن عليه أن ينتقل إلى قاعدة الإسناد المتعلقة بالشروط الموضوعية لصحة الزواج وهي الواردة في المادة (12 مدني) ليطبق القانون الأجنبي الذي حددته تلك القاعدة وهو هنا قانون كل من الزوجين، أما إن انتهى تكييفه إلى أن المنازعة تتعلق بالآثار التي يرتبها عقد الزواج فإن عليه أن ينتقل إلى قاعدة الإسناد الواردة في المادة (13 مدني) ليطبق القانون الأجنبي المحدد فيها وهو قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج وهكذا. (مركز الراية للدراسات القانونية).  

وقد يثور التساؤل: متى تعرض مسألة تنازع القوانين ؟ 

لا تثور مسألة تنازع القوانين إذا كانت العلاقة القانونية وطنية في جميع عناصرها، بأن نشأت في داخل الدولة وبين مواطنين، وما يتصل بموضوعها موجوداً في الدولة أيضاً، فالقانون الوطني هو الواجب التطبيق في هذه الصورة، سواء كان هو القانون المدني أو القانون التجاري أو قوانين الأحوال الشخصية، كبيع تم في مصر بين مصريين بخصوص عقار موجود في مصر، أو كزواج انعقد في مصر بين مصريين . 

ولمعرفة كيف يدخل العنصر الأجنبى رابطة من روابط القانون الخاص، نقرر أن الرابطة القانونية تتكون من عناصر ثلاثة هي: 

أولا: سبب منشئ أي مصدر الرابطة أو الواقعة القانونية التي أنشأتها، سواء كان هذا السبب المنشئ تصرفاً قانونياً كالعقد أو الوصية، أو واقعة مادية كعمل ضار، أو نصاً في القانون. ويتعين هذا السبب المنشئ بالزمان والمكان، أي أن له زماناً يتم فيه ومكاناً يقع به، ولهذا التعيين أهمية في تحديد القانون الذي يحكم الرابطة القانونية. 

ثانيا: أشخاص العلاقة القانونية أي أطرافها، فهناك مثلا البائع والمشتري،والمقرض والمقترض، والزوج والزوجة، والمتسبب في الضرر والشخص المضرور، وهكذا. 

ثالثا: موضوع الرابطة القانونية، وهو متنوع مختلف بحسب الغايات المقصودة، فقد يكون التزاماً بعمل أو بامتناع، وقد يكون نقل حق عيني فإذا كانت العلاقة أجنبية في أحد عناصرها، بأن كان سببها المنشئ قد وقع في الخارج، أو كان أحد طرفيها أجنبياً، أو كان الشي محل الرابطة في الخارج، فيقال عندئذ أن عنصراً أجنبيا قد دخل في رابطة، ومثالها، تعاقد مصريين مقيمين في فرنسا على عقار موجود في مصر، فهنا دخل العنصر الأجنبي على سبب الرابطة، إذ أن التعاقد قد وقع في مكان أجنبي، أو أن يتعاقد مصريان في مصر على عقار أو منقولات موجودة في الخارج فهنا دخل العنصر الأجنبي بسبب وجود الموضوع خارج الدولة، أو يتزوج مصرى بأجنبية في مصر، وهنا دخل العنصر الأجنبی علی طرف في الرابطة القانونية، وأخيرا قد يدخل التأثير الأجنبي كل عناصر الرابطة، كأن يتعاقد مصری مع أمريكي في فرنسا على عقار موجود في إيطاليا، ويقوم نزاع بينهما. 

وأهم ما تثيره الروابط ذات العنصر الأجنبى مسألتان: معرفة القانون الذي يحكم الرابطة هل هو القانون الوطني أو قانون أجنبي معين، ومعرفة ما إذا كان القاضي مختصاً أو غير مختص. 

وتحديد الوصف القانوني لمسائل تنازع القوانين أمر من الأهمية بمكان لأنه بغير ذلك لا يمكن تطبيق القواعد المتعلقة بها. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الأول الصفحة/ 288). 

وبناءً عليه يخضع تكييف العلاقة بين الخصوم لأحكام القانون المصري وهو سبيل القاضي للوقوف على قاعدة الاسناد أي القانون الواجب تطبيقه على النزاع، ومتى توصل إلى ذلك، بدأ في تطبيق القانون الأجنبي وحده فيلتزم بالتفسير المستقر في شأنه ويخضع في تطبيقه له لرقابة محكمة النقض. 

فيقتصر تطبيق القانون المصري على تحديد قاعدة الاسناد، ومتى توصل القاضي إليها أخذ في تطبيقها، فإن وجدها تحيل بدورها إلى قانون آخر تعين عليه إتباع ما نصت عليه المادة  27 من القانون المدني المصري. 

ومتى توصل القاضي من تكييف الواقعة إلى تحديد القانون الواجب التطبيق تعين عليه تطبيقه كما لو كان يطبق قانونًا مصريًا، ويلتزم بذلك من تلقاء نفسه لما ألزمه به قانونه من وجوب إعمال القواعد الخاصة بتنازع القوانين من حيث المكان، فلا يلزم أن يتمسك الخصوم بذلك، ومفاد ذلك أن يسعى القاضى المصري إلى القانون الذي دلت عليه قاعدة الإسناد لتطبيقه على النزاع فلا يكلف الخصوم بإثباته ولكن استقرت أحكام النقض على اعتبار القانون الأجنبي واقعة مادية يجب على الخصوم إثباته وأن سبب الطعن القائم على سند من القانون الأجنبي يجب التمسك به أمام محكمة الموضوع قبل اثارته أمام محكمة النقض، وإن الدليل على القانون الأجنبي يجب تقديمه إلى محكمة الموضوع حتى يمكن إثارته أمام محكمة النقض ذلك لأن المستندات المؤدية للنزاع يجب عرضها أولًا على محكمة الموضوع حتى لو كانت متعلقة بقانون أجنبي. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الاول الصفحة/ 345). 

اختلف الرأي حول تعريف التكييف تبعاً للاختلاف حول ما اذا كان ينصب على وقائع النزاع أم على القاعدة القانونية ،الا أنه يمكن القول بأن المقصود بالتكييف في نطاق القانون الدولي الخاص هو تحديد طبيعة المسألة محل النزاع وردها الى نطاق طائفة من المسائل القانونية التي خصها المشرع بقاعدة اسناد، واذا كان المشرع المصرى قد اخضع التكييف لقانون القاضي فان المقصود بالتكييف في هذا الصدد هو التكييف الأولى أو السابق وهو التكييف اللازم لاعمال قاعدة الاستاد دون التكييف القانوني أو اللاحق اي التكييف الذي قد يعرض بمناسبة تطبيق القانون المختص وفقا لقاعدة الإسناد إذ يخضع هذا التكييف القانون الذي يحكم الواقعة . فالقاضى يرجع الى قانونه في تكييف الرابطة القانونية المطروحة عليه فان انتهى الى انها رابطة عقدية واسندها وفقا لقاعدة الاسناد الوطنية الى قانون اجنبی وجب الرجوع الى هذا القانون الأخير لتكييف وصف العقد محل الرابطة موضوع النزاع لبيان إن كان عقد بيع او صلح او غيره فهذا التكييف الأخير هو ما يعرف بالتكييف اللاحق أو القانوني ومن جهة أخرى فان المقصود بقانون القاضي الذي يرجع اليه في التكييف الأولى أو السابق هو القانون المصري في جملته ايا كان مصدر القواعد القانونية فاذا تضمنت النصوص التشريعية تكييفاً للمسألة المطروحة التزم القاضي بهذا التكييف واذا لم يتضمن كان عليه أن يلجأ في التكييف إلى المبادىء العامة السائدة وعلى القاضي أن يستأنس بالقانون الأجنبي الذي يتمسك الخصوم بتطبيقه ليكشف عن المعالم الأساسية للعلاقة المطروحة حتى إذا ما تحددت هذه المعالم امكن ردها إلى طائفة من المسائل القانونية التي خصها المشرع المصرى بقاعدة اسناد  

التكييف في مسائل الأحوال الشخصية : اذا كانت الواقعة المطروحة تتعلق باحدی مسائل الأحوال الشخصية التي نظمها المشرع بنصوص خاصة كالميراث والوصية والأهلية والولاية على المال وجب الرجوع إلى هذه النصوص في التكييف بغض النظر عن ديانة الخصوم اما اذا كانت الواقعة المطروحة – متعلقة بالاسرة كالزواج والطلاق فالرأي السائد هو الرجوع في تكييفها إلى الشريعة الإسلامية باعتبارها القانون المصرى العام للأحوال الشخصية. (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/   326 ). 

مركز الراية للدراسات القانونية